تجاوز حزب الله ثلاثة عقود كاملة منذ انطلاقته في لبنان، وقد مرّ الحزب خلال هذه العقود بحقبٍ سياسية وعسكرية وعقيدية، كان لها الأثر البالغ على أوضاع لبنان وفلسطين وسوريا والعراق، وأخيرا اليمن.

  وكان يُعتقد خلال هذه السنين العصيبة من تاريخ هذه المنطقة، أنّالحزب أداة طيّعة في يد القيادة الإيرانية ومشاريعها التوسعية في العالم العربي، وذلك لارتباط صراعات المنطقة بجدلية العلاقات الإيرانية الأميركية، والملف النووي الإيراني الذي مر بمراحل حساسة وشائكة،قبل أن يبلغ نهايته السعيدة المعروفة. وقد أكد على علاقة التبعية هذه قياديو الحزب من طبقاته الدنيا حتى رأس الهرم، السيد حسن نصر الله، الذي أعلن مرارا وجهارا، بأنّه جندي من جنود الولي الفقيه، وأنّ عظمة الحزب ،بانتصاراته ونجاحاته، إنّما تعود للقيادة الحكيمة في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، والتي تبذل الغالي والرخيص في سبيل نصرة قضايا المسلمين عامة، والشيعة خاصة.

  وكان يُعتقد، ولوقتٍ قريب جدا، أنّ تدخّل حزب الله الواسع في الحرب السورية، إنّما تمّ تحت الضغط الإيراني، والحاحه بضرورة التدخل لحماية النظام، وأنّ الأمور لو تُركت للحزب وقيادته، لما تورّط هذا التّورط الذي لا تبدو لنهايته آفاق، وقد أصبح جرحا نازفاً في خاصرة الحزب، أفقده الكثير من مصداقيته في لبنان والعالم العربي، إلاّ أنّ أنباءً تضاربت تقول بأنّ الحزب ، وبشخص أمينه العام، هو الذي سعى بقوةٍ وجرأة للاشتراك في هذه الحرب، وأنّه لم تكن للقيادة الإيرانية رغبة أو حماس لهذا الانزلاق الخطر، وأنّ التدخل الإيراني الواسع حصل بعد تدخل حزب الله وليس العكس، وقد ألمح السيد نصر الله إلى ذلك في أكثر من مناسبة، وقال بأنّ الحزب مستقل في صوغ خياراته الاستراتيجية، وأنّ الإيرانيين لا يتدخلون في شؤونه من قريب أو بعيد (اللهم إلاّ في الدعم المالي السخي)،وأنّه إنّما تدخّل في سوريا لحماية ظهر قوى المقاومة والممانعة، وشنّ حرب استباقية ضد التكفيريين المنتشرين في سوريا.

  وإذا صحّت الأنباء المسربة عن قيام السيد حسن نصر الله بوساطات متشعبة في الساحة العراقية لرأب الصدع القائم بين السيد مقتدى الصدر والقيادة الإيرانية، والصدر ورئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي. فإنّ دور الحزب يكون قد تخطّى عتبة الاستقلالية عن مركز القرار الإيراني، إلى القيام بدور أكبر وأوسع في توجيه المسارات الشيعية، واتخاذ القرارات المناسبة بشأنها، وهذا ما يدفع الحزب للمضي قدُماً للانخراط في الصراعات الإقليمية، بخلاف ما يطمح إليه المعتدلون، الذين يطالبونه بالعودة إلى الداخل اللبناني، والنأي عن الصراعات الإقليمية، لتهدأ جبهة لبنان، ويمكن بعدها انتخاب رئيس للجمهورية، واستكمال المؤسسات الدستورية، وحماية الوضع الداخلي من تداعيات الأزمة السورية، والوجود الفلسطيني المسلح، ولا ننسى التهديد الإسرائيلي الدائم.

  إلاّ أن أكثر ما يلفت النظر، أنّه إذا كان السيد نصرالله بات يحظى بدور أساسي وهام ضمن الطائفة الشيعية، والتي تلعب بدورها أدواراً هامة ومفصلية في لبنان وسوريا والعراق، ويصبح مقرّهُ في الضاحية الجنوبية لبيروت، قبلة القادة الشيعيين في العالم العربي، لتنظيم شؤونهم ونزع خلافاتهم، فهذا، وإن كان مدعاة فخرٍ لمؤييدي الحزب، إلاّ أنّه يبقى عند المعارضين والمستقلين والسواد الأعظم من شيعة لبنان، مدعاةً للحذر والخوف والرهبة من تداعيات الأحداث الدرامية القادمة على المنطقة. فالضاحية ليست طهران، وحزب الله، ومهما تضخّمت أدواره، هو حزب وليس دولة. وخيرٌ لنا أهون الشرور، فالتبقى أمور الشيعة، وأحوالهم، ومصائبهم ، وعادياتُ زمانهم، هذه الأيام، عند الولي الفقيه في طهران، حيث المرجعية الدينية، وسلطة الدولة المترامية الأطراف، والثروة البترولية، التي ينعم بخيراتها حلفاء إيران الشيعة، ويُحرم منها عموم الشعب الإيراني، لحكمة، لا يعلمها إلاّ علّامُ الغيوب.