كشف وزير الشؤون الإجتماعية اللبناني رشيد درباس عن تقرير تلقاه منذ فترة يفيد أن المفوضية العليا لشؤون اللاجئين تعد خطة لتوطين مائة ألف نازح سوري في لبنان، وإصدار جوازات لجوء لهؤلاء اللاجئين. وأنه يتوقع أن تتخذ الحكومة موقفاً رافضاً بالمطلق لهذه الخطة. من هنا يمكن القول لبنان مهدّد كيانياً باللاجئين ولو لم يوقّع اتفاقية جنيف. لكنه، إذا وقّعها، سيحكم على كيانه الحالي بالزوال عن الخريطة، وليس هناك شكوك أو مبالغات في ذلك. لماذا؟

أولاً، لأن هذه الاتفاقية مُلزِمة لموقِّعيها. وهي ترعى أوضاع اللاجئين في الدول المضيفة، لضمان حقوقهم في حرية العقيدة والتنقل والتعليم والعمل والحصول على وثائق السفر. وأحد أحكامها الرئيسة ينصّ على عدم جواز إعادة اللاجئين أو ردّهم إلى بلدهم،في حال كانوا يخشون التعرّض فيه للاضطهاد.

ووفقاً للاتفاقية، تتحمّل الحكومات المضيفة، بصفة أساسية، مسؤولية حماية اللاجئين. وتحتفظ مفوضية اللاجئين بـ"التزام رقابي" على هذه العملية، وتتدخّل حسب الاقتضاء لمنح اللاجئين صفة اللجوء وعدم إرغامهم على العودة إلى بلدان يخشى أن تتعرّض فيها حياتهم أو حرياتهم للخطر. وتعترف المفوضية في شرحها للاتفاقية: "قد تنشأ حالات يندمج فيها اللاجئون بصورة دائمة فى بلد لجوئهم".

وبالنسبة إلى لبنان، فان ذلك يعني بقاء 2,5 مليون لاجئ، هم2 مليون سوري، و500 ألف فلسطيني. وقد يرتفع الرقم أو يتقلّص وفقاً للظروف. فالسوريون لن يغادروا إذا استمرت الحرب في بلدهم لسنوات عدة، أو إذا أثبت الكثير منهم أنّ حياتهم أو حرياتهم معرّضة للخطر. أمّا الفلسطينيون فمن المؤكد أن إسرائيل تحرمهم من حق العودة إلى بلادهم.

وفي ظل رعاية دولية لحقوق اللاجئين في الإقامة والعمل والتنقل، سيتكرّس بقاؤهم في لبنان. وهنا يصبح منطقياً الكلام على ذوبان اللاجئين في المجتمع اللبناني، أي "الإندماج الدائم في المجتمع المضيف"، وهو تعبير غير مباشر عن "التوطين".

قبل الحرب السورية، حاذر لبنان طويلاً أن يستجيب لمطالب القوى الدولية بالاعتراف بالاتفاقية، خوفاً من التزامات تجاه نصف مليون فلسطيني. أمّا اليوم، مع المليوني سوري، فسيكون قاتلاً، لأنه سيعني التوطين المقنّع لهؤلاء، كليّاً أو جزئياً. ووفق التقديرات، وصل عدد النازحين السوريين إلى لبنان في النصف الأول من العام 2015 إلى حدود المليوني نازح. والبعض يسأل: هل يكون الإتجاه لتحقيق الأهداف المشبوهة، أي توطين الفلسطينيين والسوريين، أسهل في غياب الرئيس المسيحي؟ هذا الغياب الذي قد يدوم طويلاً؟ وما صحّة المعلومات عن شراء سوريّين وفلسطينيّين أراض في مناطق لبنانية مختلفة بأسماء لبنانيين؟ أيّاً يكن الأمر، سيرفض كثير من اللبنانيين هذا التلاعب الفادح بالمعادلة اللبنانية الشديدة الحساسية طائفياً ومذهبياً ومناطقياً.

وفي أيّ حال، لا يمكن أن يعود لبنان إلى شكله الحالي إذا وقع التوطين، أو أيّ شكل من أشكاله. فالتوطين يستتبع تغييرات جذرية أخرى، وظروف الشرق الأوسط تتيح هذه التغييرات. فهل هذا هو الذي يجري تحضيره للبنان والمنطقة؟ أين يقف حزب الله من ذلك؟ وأين يقف الشيعة مقابل المهجرّين الذين هم من السنّة بغالبيتهم؟
    حزب الله: حزب الله لديه قوة ضاربة مدربة في إيران تضم حوالي سبعة آلاف شاب، إضافة الى نحو 20 ألفا من أفراد الاحتياط- انخرط منذ العام 2013 في صراعٍ دموي على الاراضي السورية دعما للرئيس بشار الأسد، والمشروع الإيراني في المنطقة العربية والشرق الأوسط. ولكن هذه الحرب التي يخوضها جاءت تحت عنوان دعائي وإعلامي هو حماية "مشروع المقاومة" و"كي لا تُسبى زينب مرتين". لكن الدماء التي تسيل هي دماء ابناء الطائفة الشيعية التي لا زالت تستنزف في شبابها واستقرارها ونموها الإقتصادي والاجتماعي، وسلمها الأهلي، وحضورها الوطني منذ عقود وبالتحديد منذ ما بعد اختطاف السيد موسى الصدر في منتصف سبعينيات القرن الماضي من قبل النظام الليبي بقيادة معمر القذافي.  ويستمر هذا النزف مع إعلان السيد حسن نصرالله نفسه بصفته زعيماً للشيعة في لبنان متجاوزاً رئيس حركة أمل نبيه بري، وأجهزة الدولة اللبنانية ومؤسساتها الدستورية، حيث دأب الحزب منذ ذلك الحين على الاعلان انّ الحل في سوريا ليس الا حلّا سياسيا. ومع هذا، يقدّم حزب الله آلاف القتلى والجرحى من أبناء الشيعة في سوريا بقرار ايراني لا بقرار وطني. علما انه غالبا ما تتم التسويات عقب المعارك والحروب والتي تنتهي إلى تسويات سياسية يتم توقيعها بدماء الشباب الذين سقطوا دون معرفة الأسباب او فهم النتائج او حتى محاسبة المسؤول او الزعيم عن هذا النهج والمغامرة الدموية الغاليّة الثمن، والمرتفعة الكلفة.

فليس مسموحاً لأي شيعي مجرّد طرح السؤال عن تداعيات الحرب السورية على الشيعة! فالوليّ الفقيه هو الذي قرر ويقرر. وقيادة الحزب تخطّط، والشعب يسير بهداية ما يقوله الأمين العام للحزب السيّد حسن نصرالله.  فبمجرد دخول حزب الله في الأزمة السورية يمكن القول بهزيمة استراتيجية له لأنه أصبح خارج قضاياه المشروعة كقتال إسرائيل، حيث جاء تدّخله في سوريا ليُخرجه من مُبتنيات المقاومة.  فثمة كارثة ستأتي على الشيعة مستقبلا بسبب هذه الممارسات، هذه الكارثة لا يتناولها أحد علنا، وهي نتائج هذا الحرب أيّ التغيير الديموغرافي لصالح السنّة أولا وبقية الطوائف ثانيا.

ولكن بحسب حزب الله فان هذه المعركة تمثّل بالنسبة له صراعا يخصّ الوجود نفسه، حيث أنه حُكيّ عن ان أصوات خرجت من داخل حزب الله مُعارضة التدّخل في سوريا، وأبدت خشيتها من أن يجرّ تدخل حزب الله الشيعة إلى مستنقع لا نهاية له، لكنها همدت ولم تخرج الى العلن بسبب طبيعة تركيبة الحزب.     عدد السوريين:  ما زال تأثير الأزمة السورية، بما في ذلك على الإقتصاد والتركيبة السكانية والإضطراب السياسي والأمن، يتزايد في لبنان. ومع وصول عدد اللاجئين السوريين إلى أكثر من 1.5 مليون لاجئ في الأشهر الأولى فقط من عام 2015. لذا، انشأت الحكومة اللبنانية خليّة مشتركة بين الوزرات لمعالجة الأزمة، التزاما منها بمعالجة قضية اللاجئين. ومن المتوقع أن يستمر السوريون في دخول لبنان بشتى السبل.

حيث يمكنهم الحصول على الخدمات الأساسية من خلال المؤسسات الرسمية والأهلية. ويزداد عدد اللاجئين السوريين في المجتمعات المحلية بالتدفق حيث سيصبحون أكثر عددا. ويُعتبر لبنان البلد الذي استضاف أكبر عدد من اللاجئين السوريين في العالم نسبة الى عدد سكانه ومساحته وقدرته الإستيعابية، في غياب اي تنسيق مع السلطات السورية. وتشير التقديرات إلى وجود عشرات الآلاف من عديميّ الجنسية في لبنان بسبب اللاجئون المولودون في لبنان حيث أظهر مسح تم إجراؤه في العام 2014، وشمل 5,779 مولوداً سورياً جديدا أن 72 % منهم لا يحملون شهادة ولادة رسميّة، ما يطرح مخاوف كبيرة بشأن الإعتراف بجنسيتهم من جانب السلطات السورية، اضافة الى مخاوف تجنيسهم في لبنان، الأمر الذي سيفتح الباب واسعا لحرب أهلية جديدة يكون عمادها السنّة والشيعة.

أماكن انتشار اللاجئين: يُقيم عدد كبير من اللاجئين السوريين في الجنوب اللبناني حيث يعملون في القطاع الزراعي، اضافة الى انتشارهم في البقاع الشرقي، والشمالي، والغربي. ويتركزون في مخيمات كبيرة في عرسال، في ظروف مناخيّة قاسية واهمال وتقصير دوليين لافتين. لكن المميّز ان معظمهم يعملون في مختلف المهن بدءا من أعمال البناء والزراعة، والخدمات، والنقل والتعليم، والمهن الحرة إضافة الى التجارة.. ويتلقى هؤلاء مساعدات عينية كالغذاء والأغطية من برنامج المفوضيّة العليا للاجئين، اضافة الى دعم ومساندة عدد كبير من الجمعيات الاهلي كموسسة عامل التي تقدّم التدريب المهني والعلاج الصحي، والنفسي لهم، اضافة الى التعليم المهني والإرشاد الاجتماعي في جميع مراكزها الـ23 المنتشرة في لبنان، اضافة الى كاريتاس وعدد كبير من الجمعيات الاهليّة المدعومة من المؤسسات الأممية, مشاركة حزب الله بالحرب والعدد: ذكر الموقع الرسمي لمنظمة "أنصار حزب الله" الإيرانية في دراسة حول إدارة طهران للحرب في سوريا، أنه "على إيران أن ترسل 50 ألف جندي من قوة المشاة إلى سوريا لإدارة الحرب هناك وللحيلولة دون سقوط نظام الأسد الذي بدأ يتهاوى أخيرا". في حين كان قد أكد قائد الحرس الثوري الإيراني، محمد علي جعفري، في 8 مايو(أيار) الفائت "أن إيران نظمت 100 ألف من القوات الشعبية المسلحة المؤيدة للنظام السوري وللثورة الإسلامية الإيرانية ضد المعارضة السورية، وذلك في إطار جبهة المقاومة". مقابل ذلك، أكد مدير مرصد حقوق الإنسان، السوري المعارض، رامي عبد الرحمن ان "عدد عناصر حزب الله في سوريا يقدّر بخمسة آلاف عنصر".

وأن "دخل حزب الله السنوي الذي يصله من ايران يتراوح بين 800 مليون ومليار دولار، ويحصل على ما يتراوح بين 70 و90 في المئة من هذا الدخل". التأثير السلبيّ للمشاركة: هذا ما يقبضه حزب الله لكن ما يدفعه يتمثل بالتالي: الخسارة الماديّة لإشتراك حزب الله في الحرب السورية الدائرة دعما للنظام يتمثل بعدد "شهداء الحزب" المتزايد، وهم شباب في عمر الورود وعددهم اليوم تعدّى الألف، ومرشّح لأن يرتفع كل يوم، اذا ما استمرت الحرب في سوريا أعواما اضافية. وهناك أيضا "الشهداء المدنيّون" الذين يسقطون بفعل التفجيرات الإنتحارية التي استهدفت ولا تزال بيئة وعمق حزب الله في ضاحية بيروت الجنوبية والبقاع، انتقاما من تدخّل حزب الله في سوريا، كما تعلن "كتائب عبدالله عزام" و"النصرة" و"داعش" الإرهابيين.  وقد خلّفت تلك التفجيرات آثارا أليمة. فإضافة الى سقوط عشرات الضحايا من الأبرياء، فإنّ المناطق المُستهدفة، التي كانت عامرة بشريا واقتصاديا، وضعت المؤسسات الإقتصادية على حافة الإفلاس بعدما هجر عدد من العائلات المناطق المهددة بالتفجيرات الإرهابية.

    القتلى بالأرقام: نقل موقع "كلنا شركاء" وهوالإعلام الرديف لحزب الله، المجموعة الاولى، لما قال إنّه 1000 صورة موثقة بالإسم، عن الشهداء الذين سقطوا في المعارك بسوريا، ووعد بنشر أعداد جديدة من الصور في حلقات متتالية تصل الى 10 قريبا، وفي كلّ منها 100 صورة مع الاسم. وتبلغ الحصيلة لعدد عناصر حزب الله الذين قضوا وجرحوا في سوريا والسلسلة الشرقية اللبنانية، منذ بداية الحرب التي قامت في سوريا وحتى العام 2013 فقط بين الجيش السوري والمعارضة 440 شهيدا و2400 جريحا، منهم 200 إصابة دائمة. وهو رقم يقارب أو يقلّ عن عدد شهداء حزب الله في حرب تموز 2006 أمام العدوّ الإسرائيلي المشترك. هذا الإحصاء نسبته تلك المواقع الإلكترونية الداعمه للمقاومة إلى "الاسعاف الحربي" و"الهيئة الصحية الاسلامية"، التابعين لحزب الله.غير أنّ مصادر متابعة تشير إلى أنّ العدد أكبر من ذلك بكثير، وقد يصل إلى ضعفه على أقل تقدير، لكنّ نشر هذا الرقم هو لطمأنة الجمهور.    

ويعمل حزب الله على منع أيّ جهة إعلامية من إجراء إحصاء ميداني حول الموضوع في الجنوب والبقاع وضاحية بيروت الجنوبية، فالرقم الحقيقي لن يعرف به أحد خارج إطار الحزب لأسباب تتعلق بالحفاظ على معنويات المقاتلين وأهاليهم. الى اي مناطق ينتمون: الجنوب، البقاع، الضاحية؟ 

لا تخلو قرية جنوبية او بقاعية من "شهيد" أو اثنان على الأقل اذا كانت صغيرة وقليلة العدد، وتعُد دون 5000 نسمة، ويرتفع عدد عناصر الحزب الذين فقدوا حياتهم أثناء "القيام بالواجب الجهادي" في القرى والبلدات الكبيرة التي تضم أكثر من 10 آلاف نسمة الى 4 و5 مقاتلين وأكثر في البلدات والمدن الكبيرة.

ففي الجنوب يوجد أكثر من 300 بلدة ومدينة وقرية شيعية، ولو افترضنا الحد الأدنى للقتلى اثنان فقط في كل منها، فإنّ الرقم الذي سوف يظهر أمامنا هو 600 قتيل. علما ان العدد المعلن قارب الألف شهيد، لكنّه قد يكون وصل إلى نحو ألفين، مع ضعفي هذا الرقم من الجرحى. وهذا الرقم في الجنوب فقط، وهو كما قلنا حدّ أدنى، فما بالك في البقاع الشمالي حيث بعلبك - الهرمل، ونصف من يسقط للحزب من هاتين المنطقتين بسبب قربهما من ساحات المواجهة، إضافة إلى الضاحية الجنوبية والبقاع الغربي وجبيل وغيرها من المناطق التي قضى منها العشرات من مقاتلي الحزب في سورية أيضا.  

  العوامل الأساسية للتغيير الديموغرافي للاجئين؟ يتعرّض حزب الله الى استنزاف من خلال الخطر الآتي من الجبهة السورية، اضافة الى الأبعاد السلبية للجوء عبر الوجود السنيّ سواء الفلسطيني أوالسوري. ما سيؤدي الى ارتفاع عدد السنّة في لبنان مقارنة بالشيعة. فالى متى هذا الإستنزاف؟ وما هو الحل؟ يدفع اللبناني الشيعي الثمن مرتين الأولى حين يُقتل ابناؤه في سوريا، والثاني عندما يقوم عدد كبير من الشيعة خاصة في صيدا والنبطية، بعمليات سمسرة في دوائر النفوس لنقل مئات اللبنانيين، من خانة مذهب المسلم الشيعي الى المسلم السنّي. حيث تطال عمليات نقل النفوس أعداداً من المقيمين الشيعة في دول الخليج. وهذه الاجراءات عبارة عن عمل استباقي في ظل الحديث المتناميّ عن طرد لبنانيين من دول الخليج، لا سيما الشيعة منهم، لأسباب أمنيّة. فاجراءات تبديل المذهب تقوم بها عائلات وافراد، من دون اي اعتراض في الدوائر الرسميّة. وينتشر احتقان سني - شيعي له علاقة بالمزاج السنيّ الداعم للثورة السورية، حيث يرى انها فرصة لاسقاط النظام لأسباب مختلفة، مع سعيّ الاتجاهات السلفية الى اسقاط «النظام الكافر» وبناء دولة أو إمارة اسلامية في سورية ولبنان.

فالتأييد للثورة السورية من أعداء النظام السوري أدى الى ايجاد فجوة بين الموقفين الشيعيّ والسنيّ.  ورغم طول الرهانات على اسقاط النظام السوري، يبقى الإحتمال الأقوى هو ان سورية ستعيش حالة من الفوضى أو الحرب الأهلية أو التقسيم، وإذا حصل ذلك فهذا يعني أن الفوضى لن تبقى محصورة في سورية. ومن هنا يمكن أن نفهم المخاوف الدولية من امتداد الفوضى الى لبنان وخصوصاً أن البنية المجتمعية لهذه الدول تشبه البنية السورية. وبإزاء هذا الوضع، السؤال الذي يطرح نفسه ليس فقط انعكاس السقوط على حزب الله وشيعة لبنان، بل كيف ستتعامل الأطراف الأخرى مع هذه الفوضى؟ هل ستحافظ على الضوابط ولا تندفع الى التفاعل معها أم العكس؟  وبالنتيجة إما أن يدخل حزب الله في مواجهة مع كل الأطراف في لبنان، وإما أن يعمل على محاولة التفاهم معها، والا ستدخل المنطقة في حال من الفوضى غير معلومة النتائج.

وضمن كل هذه الفوضى، جاءت أزمة اللجوء السوري لتضاعف من عمق الأزمة الإجتماعية والإقتصادية في لبنان الذي لا يزال اقتصاده مقيّداً بالاضطرابات القائمة في المنطقة.  وقد توقع صندوق النقد الدولي أن تؤدي تداعيات هذه الاضطرابات الى نمو خجول للاقتصاد اللبناني لن يتعدى 2,5% في 2015 مقارنة بنحو 2% في 2014، في ظل ارتفاع مستمر في عجز المالية من 7,1% في العام الماضي الى 9,1% خلال 2015، في موازاة ارتفاع الدين العام الى نحو 70 مليار$.  وقد أدت أزمة اللجوء السوري الى ايجاد جيل جديد من العاطلين عن العمل في لبنان، اذ ارتفع عددهم إلى نحو 346 ألفا وفق أرقام وزارة العمل، في وقت يتخطى هذا الرقم الـ400 ألف بحسب الإحصاءات غير الرسمية، لترتفع نسبة البطالة زهاء 25% من إجمالي القوة العاملة و36% بين الشباب، مما ساهم في ارتفاع عدد اللبنانيين الذين يعيشون تحت خط الفقر الى أكثر من مليون و170 الفا.  وما زاد من حدة الإزمة، الضغوط التي يعانيها المواطن بسبب المنافسة غير الشرعيّة التي يتعرّض لها في ظل ركود يعيشه الإقتصاد منذ أعوام.

فسوق العمل تعاني منافسة غير شرعية وغير متكافئة، بعدما أقدمت مؤسسات على استبدال العمال اللبنانيين بسوريين لتخفيف التكاليف عنها.  مع الاشارة الى ان لبنان باشر في 5 كانون الأول 2014، بتطبيق معايير جديدة تنظم دخول السوريين الى أراضيه والإقامة فيها، تقوم على فرض سمة او اقامة. هذا الأمر لم يكن معمولاً به في السابق، اذ كان السوريون يدخلون بحرية تامة الى لبنان ويعملون فيه بلا أية قيود. ونتيجة كل ذلك، أصبحت سوريا في نهاية 2014 أكبر منتج في العالم للنازحين داخلياً وللاجئين خارجيا. 

وبعيدا عن الهّم الديموغرافي، نجد اللاجئون يواجهون انقطاعاً حاداً في المساعدات الغذائية، الامر الذي جعلهم يصارعون من أجل تحمّل النفقات والأعباء المعيشية. وتتزايد حياة السوريين في الخارج صعوبة، إذ يعيش نحو 86% منهم تحت خط الفقر المحدد بـ3,2 دولارات يومياً. ووفق التقديرات وصل عدد النازحين السوريين إلى لبنان في النصف الأول من العام 2015 إلى حدود المليوني نازح، أي حوالي نصف الشعب اللبناني، لكن الأخطر هو تصاعد فرص "داعش" في التسلل أمنيّا إلى الداخل اللبناني، سواء عبر الخلايا النائمة أو محاولة بلوغ نقاط قريبة من الحدود اللبنانية. وكان وصل عدد النازحين في مطلع صيف 2014 الى 1,5 مليون الى ما يوازي 30 في المئة من سكان لبنان حاليا، واذا ما اضيف اليهم عدد اللاجئين الفلسطينيين المقيمين منذ العام 1948، يصل إجمالي اللاجئين الى حدود 41 في المئة من عدد السكان.

ولا تشمل هذه الأرقام النازحين الفلسطينيين من مخيم اليرموك البالغ 53 ألفا، ولا النازحين اللبنانيين من سوريا البالغ50 ألفا على الأقل. وهذا يعني ان لبنان سيعيش حالة قلق أمني وسياسي واجتماعي نتيجة النزوح الذي سيمتد لأكثر من 10 سنوات كما ورد في التقرير الذي صار ملكا للبعثات الديبلوماسية للدول الكبرى. ولبنان غير محصّن من حصول انهيار إقتصادي او انهيار أمني يتبعه انهيار إجتماعي وتغيير ديموغرافي خطير كما ورد حرفيا في التقرير الرسمي اللبناني. واللافت للانتباه أن 53 في المئة من النازحين في لبنان هم ممن تقل أعمارهم عن 18 عاما، وهناك حوالي 22 في المئة من النازحين الذكور من عمر 18 عاما حتى ما فوق الـ 60 عاما، أي نحو 111 ألف ذكر سوري معظمهم ممن أدوا الخدمة الإلزامية في الجيش السوري، من دون احتساب غير المسجلين في لوائح المفوضية، وهم يقدرون بنحو 300 ألف نسمة. ويتوزع النازحون على المناطق اللبنانية على الشكل الآتي: 26 في المئة في الشمال، 27 في المئة في بيروت وجبل لبنان، 35 في المئة في البقاع، 12 في المئة في الجنوب. وتعيش نسبة 70 في المئة منهم في أماكن إيواء شرعيّة، بينما تتوزع نسبة 30 بالمئة على مخيمات وتجمعات في المناطق. هذا عدا عما سيتحمله لبنان من خسائر بمليارات الدولارات بفعل الضغط الكبير على اقتصاده واستنزاف خدمات الصحة والتربية (300 ألف تلميذ) والكهرباء والمياه والبنية التحتية ومعالجة النفايات، وذلك استنادا إلى تقرير البنك الدولي، فان الناتج المحلي سيتقلص 7,5 مليار دولار مع نهاية العام 2014، وثمة تقديرات أن حوالي 340 ألف لبناني خسروا أو سيخسرون وظائفهم في نهاية عام 2014 (22 في المئة نسبة البطالة اللبنانية في 2013)، كما تبين الأرقام أن عدد الفقراء في لبنان سيرتفع من مليون شخص تقريباً، إلى مليون ومائة وسبعين ألفاً. ويحذر التقرير الرسمي اللبناني من التداعيات الأمنية وأبرزها: انتقال المسلحين بين لبنان وسوريا، وتهريب السلاح إلى الداخل اللبناني، ما يؤدي إلى اضطراب الوضع الأمني خاصة في منطقتي الشمال والبقاع، واحتمال مشاركة مسلحين سوريين في الإشتباكات في بعض المناطق اللبنانية وتدريب لبنانيين على استخدام السلاح، ودخول سيارات مفخخة من الأراضي السورية إلى لبنان، وإطلاق صواريخ على المدن والقرى اللبنانية، وحصول عمليات تهريب للمخدرات من سوريا إلى لبنان وخارجه، وحصول تعديات على أشخاص سوريين داخل لبنان. وقد قارب عدد الموقوفين السوريين بتهم قتل وسرقة ومخدرات واغتصاب وغيرها حوالي 3578 شخصاً. ان تدفق النازحين لن يتوقف، ولبنان معنيّ بحثّ المجتمع الدولي على تحمّل مسؤولياته في التخفيف من آثار وجود النازحين السوريين على أرضه، الذي يمثّل اجتياحاً ديموغرافياً للبنان، وكذلك ضمان ألا يستمر هذا الوجود لفترة طويلة من خلال وضع خريطة طريق لإعادة هؤلاء النازحين إلى بلدهم في أسرع وقت ممكن.

    ختاما:

ان التقرير يتحدث عن "53 في المئة من النازحين في لبنان هم ممن تقل أعمارهم عن 18 عاما، وهناك حوالي 22 في المئة من النازحين الذكور من عمر 18 عاما حتى ما فوق الـ 60 عاما، أي نحو 111 ألف ذكر سوري معظمهم ممن أدوا الخدمة الإلزامية في الجيش السوري، من دون احتساب غير المسجلين في لوائح المفوضية، وهم يقدرون بنحو 300 ألف نسمة". هذه الأرقام الرسمية المخيفة تقول ان هؤلاء سيتزوجون وسينجبون في لبنان، وهم بمثابة جيش نائم قد يتحول في لحظات من اللحظات السياسية، وخاصة بعد انزياح بشار الاسد سياسيا، او سقوط نظامه عسكريا الى قوة بيد السنّة تحركهم القيادات اللبنانية بحسب هواها السياسي اولا، وثانيا قد تعمل وتعمد الى تسجيلهم في الدوائر الرسميّة كسنّة كما حصل مع الرئيس الشهيد رفيق الحريري حين منح الجنسيّة في التسعينيات لعوائل غير لبنانية كانوا يأتون من داخل سوريا خلال الإنتخابات النيابية لممارسة حقهم. فهل سيعي حزب الله عواقب سياسته الضاربة بعُرض الحائط مصالح ابناء طائفته التي يدّعي انه يدافع عنها؟ وما هو موقف حلفائه السياسيين من مسألة التغيير الديموغرافي الحاصلة والتي لن تظهر تبعاتها الا بعد سنوات؟ خاصة ان التهجير في المنطقة يطال الأقليات؟.  

 

(المكتب العربي للأبحاث والدراسات السياسية)