سأل الرئيس حسين الحسيني، في مؤتمر صحافي اليوم: "أين نحن الآن من الواقع والدستور بالنسبة إلى الشغور الرئاسي وتفكك النظام؟ وما العمل؟

وقال:"النواب السابقون، الممددون لأنفسهم، يشكلون، من حيث الدستور، مجلسا منحلا، وهم كذلك عمليا مهما يكن من قانونية أو لاقانونية استمرارهم، بالقوة أو بالحيلة،
بالنيابة عن الشعب، هذا الشعب الذي هو مصدر السلطات وصاحب السيادة،
فالدستور ينص في المادة 24 منه على ما يأتي:
"يتألف مجلس النواب من نواب منتخبين يكون عددهم وطريقة انتخابهم وفاقا لقوانين الانتخاب المرعية".
والاستمرار في تصريف الأعمال، في حال عدم الانتخاب إنما يكون لهيئة مكتب المجلس لا للمجلس بأكمله كما تقرر ذلك المادة 55 في الفقرة الثانية منها عند حل المجلس:
"تستمر هيئة مكتب المجلس في تصريف الأعمال حتى انتخاب مجلس جديد".
إذ إن ذلك الحكم أولى بالعمل به في حالة الانحلال منه في حالة الحل.

وأضاف: "سدة الرئاسة خالية الآن، ومهما يكن من سبب خلائها دستوريا،
سواء أكان السبب هو العجز الثابت عن اجتماع المؤسسة ذات الصلاحية في انتخاب رئيس الدولة، طيلة عامين تقريبا، أي بما يزيد على مدة ثمانية عقود عادية، وهو الأمر الذي كان يجب أن يكون موجبا لانحلال المجلس، قياسا على انحلاله إذا:

- امتنع عن الاجتماع طوال عقد عادي أو عقدين استثنائيين متواليين.

- أو قام برد الموازنة برمتها بقصد شل يد الحكومة.

- أو أصر على تعديل الدستور بعد إعادة قرار التعديل إليه، ضمن الشروط المحددة في المواد 65 و75 و77 منه،
أم كان سبب الخلاء هو انحلال المجلس، أصلا، لانقضاء ولايته واستمراره مجلسا غير منتخب بخلاف الدستور.

والعلة في هذا القياس واعتبار تلك المدة موجبا، بالأولى، للانحلال هو أنها مدة مخصصة لانتخاب رئيس الجمهورية من دون أي عمل آخر، إذ تنص المواد 73 و74 و75 على ما يأتي:
".. وإذا لم يدع المجلس لهذا الغرض [انتخاب رئيس جديد للجمهورية] فإنه يجتمع حكما في اليوم العاشر الذي يسبق أجل انتخاب الرئيس" (م 73، ف2).
"إذا خلت سدة الرئاسة بسبب وفاة الرئيس أو استقالته أو سبب آخر فلأجل انتخاب الخلف يجتمع المجلس فورا بحكم القانون" (م 74، ف1).
"إن المجلس الملتئم لانتخاب رئيس الجمهورية يعتبر هيئة انتخابية لا هيئة اشتراعية ويترتب عليه الشروع حالا في انتخاب رئيس الدولة دون مناقشة أو أي عمل آخر" (م75)".

وسأل ايضا: "ما العمل؟ خصوصا إذا كان الحال هو ما أخذته في الاعتبار تحديدا المادة 74، في الفقرة الثانية منها:
"وإذا اتفق حصول خلاء الرئاسة حال وجود مجلس النواب منحلا تدعى الهيئات الانتخابية من دون إبطاء ويجتمع المجلس بحكم القانون [لانتخاب رئيس الجمهورية] حال الفراغ من الأعمال الانتخابية".

وأضاف: "إن امتناع المجلس عن وضع قانون الانتخابات النيابية المطلوب لم يكن سوى خرق للدستور بالإهمال (par omission)، كما أن استمراره غير منتخب بدلا من إجراء الانتخابات ثم انصرافه عن انتخاب رئيس جديد للجمهورية ليس سوى خرق للدستور بالانتهاك (par violation)، مما يشكل انقلابا على النظام الدستوري:
بدأ من أساسه الذي هو انتخاب مجلس النواب
إلى قمته التي هي انتخاب رئيس الجمهورية 
واللذين بهما تكون إقامة الحكومة الشرعية.
ولا يغير في حقيقة الانقلاب شيئا القول بمسؤولية هذا الفريق من دون ذلك الفريق،
فلاشرعية العمل وتعطيل المؤسسة هو الموضوع.
ومن حيث الوقائع لا محل للتمييز في وقوع هذه المسؤولية الجماعية.
وفي هذه الحال لا يكون العمل للعودة عن هذا الانقلاب إلا:

أ - بالعودة إلى الدستور وإلى الشعب، من دون إبطاء، وهذا هو السبيل الأول،
وذلك بإجراء انتخابات نيابية النسبية هي النظام في قانونها،
تطبيقا للدستور وأخذا بما أظهره الحوار العام
هذا الحوار الذي لا يعوق الأخذ به سوى الأطماع الشخصية أو الفئوية بذرائع واهية لا علاقة لها بمخاوف الطوائف أو بعدالة تمثيلها أو بحرية الناخبين.
ثم تكون الخطوة الثانية باجتماع مجلس النواب بحكم القانون لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، حال الفراغ من الأعمال الانتخابية،
وفقا لما تنص عليه المادة 74.
ولم لا وقول المعاندين للانتخابات النيابية جار بإمكان إجراء الانتخابات البلدية.

ب ‌- أو، وهذا هو السبيل الثاني، تكون العودة عن الانقلاب، بفترة انتقالية يكون أولها التوافق على رئيس جديد للجمهورية لمدة سنة واحدة،
فيتم خلالها وضع قانون الانتخابات النيابية 
وإجراء هذه الانتخابات
وانتخاب رئيس جديد للجمهورية لولاية دستورية كاملة، ثم يلي ذلك تكوين الحكومة الشرعية.
ولا اعتداد هنا بالقول بعدم الدستورية في ولاية الرئيس الانتقالي من حيث تقصير مدتها، فالمقصود هنا هو أسلم انتقال، بالتوافق، من الحكم بلا نظام ولا قدرة، إلى الحكم الدستوري القادر بمنطق النظام، وفي أقصر مهلة ممكنة.
واللادستورية إنما هي بانتخاب مجلس نواب غير منتخب لرئيس للجمهورية لولاية دستورية كاملة، بما يخالف لا روح الدستور وحسب بل نصه أيضا. 
إذ إن انتخاب الرئيس دستوريا ولولاية دستورية كاملة إنما يكون من مجلس نواب دستوري قائم (م 24 وم49)، وليس من مجلس كهذا المجلس المنحل،
دستوريا وعمليا. 
ثم ألا يفرض المسار المشؤوم الذي أدى إلى هذا التفكك ألا يفرض ذلك المسار مراجعة عبر فترة انتقالية؟

وإلا، وهذا هو السبيل الثالث والأخير، على ما في هذا السبيل الأخير من الاخطار والمصاعب،إذ إن الحياة هي الأولى بالحفظ،
تكن العودة عن الانقلاب بالعودة المباشرة إلى الشعب،
أي إلى الهيئات الناخبة، في مؤتمر وطني يمثلها
فيقر ويفرض اقتراحا شعبيا (initiative populaire) بالإجراءات العملية اللازمة لإقامة النظام.

ففي ظل نشوء الفراغ في المؤسسات وفقدانها شرعيتها، هذه المؤسسات التي يجب أن تكون قائمة بأعمال الدولة بوكالة محدودة ومشروطة وليست باعتبار نفسها بنفسها مالكة أصلية،ففي ظل هذا الوضع،
تنتقل السلطة إلى المؤسسة الشرعية الأصيلة، الوحيدة والدائمة، أي إلى هذه الهيئات الناخبة التي هي الشعب بالمعنى الدستوري، هذا الشعب الذي هو مصدر السلطات وصاحب السيادة.
ولا حديث هنا عن شارع وساحات فحسب بل عن مقار ووسائل وأدوات وأجهزة هي للشعب في الأصل والغاية.

ولا حاجة الى الحديث عن دور مجلس غير منتخب وغير منتخب، عاجز منحل،
دستوريا وعمليا،

ولا حاجة إلى الحديث عن حكومة ليست حكومة قائمة بل تجمع وزراء،
هم في العمل والمسؤولية، في تضارب لا تضامن وفي تقاسم لا تشارك
إلا في التمسك بمراكز السلطة وأدواتها وأجهزتها، حيث لكل واحد في ذلك التجمع ما يتحكم به ويتمترس، كأنه في مزرعة خاصة شخصية أو حزبية أو طائفية. 

وفي ما عدا تلك السبل، وهو ما نحن فيه الآن من انتظار عقيم أو وهم مستحيل،
ليس سوى الاستسلام لموت بطيء متسارع، لدولة وشعب، في خزي وعار".

وختم: "إنني أدعو دعوة عامة إلى أوسع تشاور لاختيار السبيل الأنسب،
والعمل بكل ما أوتينا من قوة، ولا عذر لأحد، بالتشكي أو التمني أو الانتظار،
فحق النفس على النفس إنما هو واجب الدفاع عن النفس، "ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض".