لعل النزاع المصري السعودي الذي إفتعل فجأة ثم حُسم بسرعة حول ملكية جزيرتي تيران وصنافير، هو واحد من أغرب مظاهر العلاقة الثنائية بين البلدين والشعبين وأشدها تعقيداً. وهو كأي نزاع مشابه لا ينتهي بالتوقيع على معاهدة، ولا يمكن ان يحظى بالاجماع، ولا يمكن، تالياً، الا ان يثير الجدل. ما تشهده القاهرة والرياض لا يوحي بان الدولتين فتحتا صفحة جديدة من التاريخ المشترك والمثير للاهتمام في هذه المرحلة. 

حرصت الرياض والقاهرة على الترويج أن خلافاً حدودياً بينهما عمره نحو مئة عام قد إنتهى. لكن أحداً لم يكن يلاحظ وجود هذا النزاع، ولم يسجل ما يدل عليه، باستثناء بعض الانتهاكات النادرة أصلا التي تقع فيها مراكب الصيادين المصريين، والتي تكون في الغالب نتيجة خطأ ملاحي، اكثر مما هو تحدٍ سياسي. عدا عن ذلك، كانت السيادة على الجزيرتين ولا تزال تتصل، في الذاكرة المصرية والسعودية، والعربية عامة، بالصراع مع العدو الاسرائيلي وتحديداً بقرار الراحل جمال عبد الناصر اغلاق مضائق الجزيرتين على الملاحة الاسرائيلية في أيار مايو العام1967، وهو ما كان ذريعة من ذرائع الحرب..

هذا الصراع طوي الان. وفقدت الجزيرتان الواقعتان على مدخل خليج العقبة قيمتهما الاستراتيجية. ولم تعد السيادة المصرية او السعودية عليهما مسألة تهم اسرائيل، التي أبدت لامبالاة إزاء الاعلان عن حسم ذاك الخلاف الثنائي الطارىء، الذي لم يكن يضغط على القيادتين او على الشعبين في كل من مصر والسعودية. لكنه تحول في الايام الاخيرة الى مادة لسجال ثنائي كان يفترض انه غير مرغوب وغير مطلوب.. إستخدمت فيه تسجيلات لعبد الناصر الذي كان يومها يترفع على النزاع مع السعودية ليرفع من أولوية الصراع مع العدو، واستعيدت فيه كلمات للراحل محمد حسنين هيكل الذي كان يود استدراج السعودية الى ذلك الصراع ودعوتها الى الانخراط فيه بوصفها دولة حدودية مع الكيان الاسرائيلي..

الثابت حتى الان هو ان انهاء النزاع المزعوم على الجزيرتين إستفز من الرأي العام المصري ما يتخطى الجمهور المناهض للرئيس عبد الفتاح السيسي الذي إتهم بالتفريط بالارض والسيادة والكرامة الوطنية، وإستنفر من الرأي العام السعودي ما يتعدى الجمهور المتحمس للقيادة الحالية، التي تستكشف في اليمن خاصة حدود القوة والنفوذ خارج حدود المملكة. وهو ما أفقد زيارة الملك سلمان الى القاهرة الكثير من أهميتها، وأفرغها من أحد أهم مضامينها السياسية، لا سيما تلك المتصلة بتمديد الغطاء، بل وحتى التفويض الممنوح للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.

حصل العكس تماماً. وبدل ان يشعر السيسي بالمزيد من الأمان والاطمئنان، ها هو يواجه الاتهام، حتى من أقرب مريديه، بالتخلي عن السيادة على الجزيرتين الرمزيتين في الذاكرة الوطنية المصرية، ولا يستطيع الرد على السؤال الاهم والاعمق: لماذا قررت القيادة السعودية ان تطلب منه في هذا الوقت بالذات إسترداد تيران وصنافير، اللتين لا تضيفان الكثير الى صورة المملكة كقوة عسكرية إقليمية صاعدة؟

قبل ان تطرأ تلك المسألة على جدول الاعمال السعودي المصري، كانت أهمية زيارة الملك سلمان تقاس بتأثيرها في القاهرة، لا بما بأثرها في الرياض. اليوم يبدو ان الدولتين والقيادتين تتبادلان بشكل متسرع المبادرات والخدمات التي تهدف الى إرساء ذلك التحالف المتجدد ضد أعداء وخصوم خياليين، مثل الاسلاميين الذين خرجوا من المعادلة ولم يبق منهم سوى الإرهاب، او مثل إيران التي أحبط إختراقها الاخير في اليمن، او حتى إسرائيل التي سيكون لها كلام مختلف، متحمس على الارجح، عندما، او اذا ما تم الشروع في بناء الجسرين اللذين يربطان الجزيرتين بالبر السعودي والمصري.

أما قصة الجسرين فهي لا تقل غرابة عن قصة الجزيرتين. هما يربطان بين صحراءين خاليتين تقريبا من أي مدن او حواضر او مواقع صناعية او تجارية، سعودية او مصرية، وهما لا يخدمان سوى شريحة صغيرة جدا من الشعبين اللذين كانا يتمنيان مشروعات تنمية مشتركة أهم وأجدى وأقرب الى المراكز السكانية والاقتصادية المؤثرة.  التقارب المصري السعودي حجر زاوية، يهتز اليوم بقصة الجزيرتين، والجسرين.