بحضور شخصيات سياسية واجتماعية وإعلامية أقام المركز اللبناني للأبحاث والاستشارات مؤتمراً في فندق الريفييرا ـ بيروت ـ بعنوان " دور الشيعة العرب في مواجهة المخططات التآمرية" حيث كانت الكلمات حول عروبة الشيعة، ورفض الزج بهم في مشاريع لا تخدم أوطانهم، وتضر بمصالحهم..

    بداية مع النشيد الوطني اللبناني، ثم كلمة افتتاحية للإعلامي علي اسكندراني تحدث فيها عن محاولة بعض القوى الإقليمية والدولية شرذمة الأمة وتفتيتها مستحضرة وقائع وأحداث تاريخية وخلافات سياسية مضى عليها الزمن لتعميق حالة الإنقسام العامودي وإحياء النزاعات والخلافات في مجتمعاتنا العربية..    

  ثم كلمة مدير المركز اللبناني للأبحاث والاستشارات الأستاذ حسان القطب، استعرض فيها ما تواجهه الأمة اليوم من ازمات وفتن وصراعات نتيجة الاحتقان التي دأبت بعض القوى السياسية والدينية على بثها وزرعها ورعايتها لتعميق الانقسام بين مكونات المجتمع وفئاته المختلفة كما المتنوعة دينياً ومذهبياً..    

  واعتبر أن الأمة اليوم تعيش حالة صراعٍ في كل كيان عربي وإسلامي.. بين من يرى ان الانتماء الحقيقي والمنطقي والموضوعي، يكون إنتماءً للأمة برمتها ككيان وسلطة ودولة سواء كانت عربية او اسلامية وعلى امتداد مساحة هذا الوطن الكبير، وبين من يرى ان المفاهيم الوطنية التي اسست لهذه الكيانات تشكل نموذجاً مقبولاً ومنطلقاً موضوعياً لبناء الدولة الوطنية المستقلة، التي تقدم باستقرارها ونموها وتطورها وثباتها قوة إضافية وفاعلة لسائر الكيانات الوطنية المنتمية لهذه الأمة..؟؟    

    واعتبر ان المشاريع السياسية الدينية، لا يمكن ان تؤدي الا إلى زرع الانقسام في مجتمعنا، لانها تقوم وتبنى على الموروث التاريخي البعيد عن الموضوعية والرؤية الحقيقة لمفهوم السلطة، سواء كان في شكل الحكم وطبيعته، او رسم مساراته وتشكيل مؤسساته..؟؟ خاصةً إذا كان هذا الحكم مبنياً على مباديء وثوابت دينية غيبية تعطي صاحب السلطة حقاً الهياً مطلقاً من حيث الصلاحية او الممارسة او مدة البقاء في السلطة..؟؟  

    وتساءل القطب، هل نحن نعيش في وطن لنا فيه حقوق وعلينا واجبات..؟ او اننا جزء من امة تائهة تبكي ماضيها، وموزعة بين كيانات ودول في الوقت الحاضر وتبحث عن ذاتها ومستقبلها وعن إعادة صياغة دولتها الواحدة الجامعة..؟ وهل هذا يعني اننا نعيش مرحلة زمنية مؤقتة ضمن كيان مصطنع لا نؤمن به ولا نلتزم بقوانينه ولا نحترم دستوره ولا نشارك في بنائه ولا نسهم في استقراره..؟؟ بانتظار من يعيد جمع شملنا وتوحيد صفنا..؟؟ لذا فإن من يؤمن بوحدة الأمة تحت سلطة واحدة فهو على الحق...

ومن يناقش في استقلال الكيان وضرورة الالتزام بروح المواطنة، ونهائية الوطن والكيان، فهو على باطل ويستحق الاتهام بالشعوذة وحتى بالتكفير والتخوين...؟؟  

    وأكد ان على الاقليات ان تخرج من حالة الخوف والتردد والشعور بالغلبة والدونية، وان تنخرط في مجتمعها بكل قوة وحرية جدية، وان تدافع عن مصالح الأمة والوطن بكل الوانه واطيافه لا عن مصالح طائفة أو مجموعة من المنتمين فقط..  مؤكداً ان الطائفة الشيعية في لبنان كانت وما زالت وستبقى جزء اساسي من نسيج هذه الأمة ومكون ناشط في مسيرتها انخرطت في مسيرة الاستقلال كما في مسيرة مواجهة الاحتلال من خلال فصائل المقاومة الوطنية واحزاب الحركة الوطنية وقدمت الكثير من المفكرين والمثقفين الناشطين والباحثين والمخترعين، فإنه لا يمكن الا ان تكون جزءاً من حالة الصراع الوطني والقومي مع قوى المؤامرة سواء كانت اقليمية او دولية او حتى محلية..  

    وختم كلمته بالقول: إن رفضنا للصراع الديني بين مكونات امتنا يحثنا على التضامن والتفاعل فيما بيننا، والتأكيد على ان مشروع الدولة العادلة والسلطة السياسية التي يختارها الشعب ويتم تداولها والتناوب على ادارتها ممن كانت صناديق الاقتراع الى جانبهم .. وان النافس على تقديم الفضل للوطن والشعب هو المعيار الحقيقي للإختيار وليس المذهب الدين..    

  من جانبه اعتبر مصطفى هاني فحص في كلمته أن الاقلية في العراق ظلمت الاغلبية، وفي سوريا الاقلية ظلمت الاكثرية، وأن المشكلة ليست في الأقلية أو الأكثرية، المشكلة في عدم احترام التعددية التي بدأت منذ حكم الانقلاب العسكري على يد  عبد الناصر، معتبراً أن التعددية هي الخطوة الاولى للديمقراطية.    

  واعتبر فحص أن ايران استغلت ضعف الوطن العربي ووجدت فيه ارضا خصبة، وأنه لا تختلف جرائم الحشد الشعبي عن باقي الارهابيين في العراق، بل هو يختبئ بالطائفية..    

  وختم كلمته بالقول، ستبقى المرجعية العربية في النجف مرجعيتي، هذه المرجعية ضد الجرائم الطائفية، مؤكداً أن القوة عند السعودية انها هي تصنع الانفراج السني الشيعي ولا ننتظره من ايران.  

    واعتبر الاستاذ راشد الفايد في كلمته أن أمر الهيمنة الايرانية، أو الفارسية، على المنطقة، فالشاه ارتدى بوضوح وجه فارس، بينما من خلفه قنّع فارسيته بوجه ديني وحدوي اسلامي، والتقى الاثنان على أهمية اخراج العرب المسلمين الشيعة على عروبتهم ليمررا هيمنة طهران على المنطقة العربية، ولم يكن ذلك الا بتأجيج المذهبية مغلفةً باستعارة العناوين القومية العربية، في مفارقة تاريخية تجلت في أصوات تنادي بهذه القومية لكنها تتمول، مطبوعات ومنتديات وكتبة ومعلقين ووسائل إعلام، من مصادر ايرانية فارسية.    

  واعتبر أن الدور الايراني ليس الفاعل الاساسي في الموجه المذهبية، فهي موجودة ومزروعة في الضمير القومي العربي، والضمير الوطني اللبناني. فمن صفات العربي، التحزب، ليس بالمعنى السياسي، بل القبلي أساسا. والتاريخ لا يعدم الأمثلة على صراع القبائل والعشائر، وأحيانا داخل الجماعة نفسها، بين بطون وأفخاذ مختلفة، وما حرب داحس والغبراء الا نموذجا. لذلك، أخطّيء عنوان تنامي المذهبية، وأفضل عليه عودة المذهبية أو استعادتها.    

  وخلص في كلمته إلى أن أسباب تنامي المذهبية: غياب وتغييب الهوية الوطنية، وضمور دور الدولة في الحياة العامة، واهتراؤها، وعدم فصل الدين عن الدولة، وسقوط الرابط القومي العربي، وغياب التكامل الإقتصادي والإجتماعي بين الدول العربية، والإنكفاء السياسي وافتقاد الرؤية الإقليمية المستقبلية كذلك الوطنية، واعتبر أن المذهبية ابنة الطائفية، ومن يقبل الطائفية يصل إلى قبول المذهبية.  

    وفنّد كيفية الخروج من التوتر المذهبي والطائفي وذلك، بمشروع اندماج وطني فعلي، وليس بتكاذب وطني، والشعور بالمواطنة من خلال مظلة عدل وأمن وأمان اجتماعي واقتصادي حاضر ومستقبلي لا توفره سوى الدولة، بقدراتها المتأتية من تخلي كل فرد وجماعة فيها عن جزء من حرياته لتكوين حيز جامع لمصالح الجميع، يساوي بينهم بلا انحياز ولا مراعاة، وإخراج النقاش الديني من التوظيف السياسي، وترسيم الحدود بين الديني والسياسي.    

  وختم كلمته بالقول: إن وجود مشروع مذهبي أو سياسي ايراني لا يجب أن يكون مبررا لنظرة شمولية إلى اللبنانيين المسلمين الشيعة، أو إلى العرب المسلمين الشيعة، ككتلة متجانسة، معتبراً أن المشكلة ليست في أن ايران كما دول اخرى في العالم، تنزع إلى مد نفوذها وهيمنتها على محيطها، بل المشكلة في قصور العرب في التنبه إلى ما يجري، واستكانتهم، فلا يعاقب الشيعة العرب جمعا، على ما ليس من مسؤوليتهم، ولا قرارهم.  

    واعتبر الأستاذ حارث سليمان أن الصراع المتفجر في دول الاقليم على مدى السنوات الست الماضية، هو خلاف حول طبيعة الدولة ووظائفها، هو صراع على أي شرعية سترسو سلطة الدولة أو الدول الناشئة، وما هو مستوى قدراتها لاحتكار العنف وفي أي المواقع تتحدد مبررات استعماله، والبحث في بناء مستقبل حديث للعرب في القرن الواحد والعشرين هو بحث في بناء دولة حديثة في عصر العولمة.  

    وأكد أن المؤامرة الحقيقية على أي وطن هي بقاء حكامه بالسلطة دون تداولها  الى الأبد، بحيث تتحول أجهزة الأمن بديلا للمجتمع وحراكه السياسي، ويتم تزوير الانتخابات التمثيلية، ان جرت، ليصبح الحاكم معصوما دون مساءلة، وتتركز بيده السلطات كافة فلا يعمد لفصلها، ولجعلها مستقلة، واعتبر أن النظام العربي الرسمي مجتمعا فشل في اقامة شراكة عربية اقتصادية وسياسية، وبانت مياومته السياسية في تجاهله طويلا واستفاقته المتأخرة لسياسة الهيمنة التي تمارسها ايران على دول المشرق العربي.     

  وعدد في كلمته مواصفات الدولة الحديثة المطلوبة: الالتزام بالشرعية الدستورية، وقبول قواعد واضحة وثابتة لما يعرف باللعبة السياسية، وارساء ثقافة التعاقد السياسي التي تؤسس للحق في الاختلاف وضرورة الحوار وحتمية تداول السلطة، واقامة الحكم الصالح Good Governance ومكافحة الفساد، والتنمية المستدامة، التي تشتمل معا على التنمية الاقتصادية، واعادة بناء المنظومة السياسية الاقليمية العربية وجامعة الدول العربية كمنظومة استراتيجية للعمل العربي المشترك، والعمل لقيام شراكة عربية اقتصادية تتيح حرية انتقال الافراد والرساميل والاعمال والبضائع وبناء شبكة خدمات اقليمية عربية للنقل والمواصلات والاتصالات والطاقة الكهربائية والنفطية.    

  واعتبر سليمان أن ايران ستبقى بمعتدليها ومتشدديها دولة اقليمية تريد نفوذا ومجالها الحيوي هو العالم العربي، مما يجعل الاتجاهين معا يوافقان على سياسة تمدد النفوذ الايراني في الدول العربية، مؤكداً أن هذه معركة على العرب خوضها ليس بهدف العداوة مع ايران بل لاقامة علاقة متكافئة معها تمنعها من التغلغل وزعزعة الاستقرار في المجتمعات العربية من خلال تجييش الشيعة العرب في مخططاتها، معتبراُ أن الخطر الايراني الذي علينا مواجهته لا يكون بمواجهة سنية - شيعية، بل بمشروع عربي يكون هدفه الابعد بناء دولة حديثة، وهدف يعتمد على: مشروع سياسي اصلاحي يوسع قاعدة السلطات في بلادنا عبر توسيع المشاركة الشعبية وتحسين حياة شعوبنا ودولنا، ويبعد عن مجتمعاتنا تجاوزات اجهزة الامن وسياسات القمع، ومشروع يُعنى بادماج الشيعة العرب وبقية الاقليات بما يمنع ايران من اللعب في النزاعات الاقلية والانفصالية، ويشدد على شراكة الشيعة العرب في مشاريع الاكثرية السنية التي تصيغ مشروعها السياسي في افق رحب ويوجه طاقات الامة نحو خيرها.

ويوضح لبعض السلفيين والجهاديين الذين يقومون بشتم الشيعة وتكفيرهم بان ما يفعلونه يساعد ايران على ان تجد  انصارا لها، واقامة محور عربي حقيقي أساسه السعودية ودول الخليج العربي من جهة ومصر من جهة أخرى، وتحقيق مصالحات حقيقية في الساحة الفلسطينية والاهتمام بشعب العراق وازماته، واتباع سياسة تضامن عربي فاعلة، وتفعيل الدور المصري وتذكيره بما عليه من واجبات في مواجهة سياسة التمدد الايراني، وتنسيق لا بأس به مع تركيا، وتفعيل سياسات منظمة المؤتمر الاسلامي والتمسك بموجبات القانون الدولي واحترام سيادة الدول في العلاقات الخارجية.  

 تخلل المؤتمر مداخلات من الحضور..