يحار المرء عندما يسمع هذه الأيام كلمة"إسلام" ترد على كل شفة ولسان، من أيام أسامة بن لادن وورثته الفقهاء،أيمن الظواهري وأبو بكر البغدادي، من أيام جورج بوش وطوني بلير، إلى فضل الرحمن في باكستان، إلى الولي الفقيه في إيران وأتباعه المنتجبين، وآخر مرشد للإخوان المسلمين في مصر،وكلما فجّر انتحاريٌ نفسه في أسواق المسلمين، أو مطارات أوروبا، وكل ما هبّ ودبّ على أرض البسيطة.

فعن أي إسلام يتحدّثون؟ من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب؟ إنّهم يتحدثون عنه كما لو كان مادة لزجة طرية هينة، موضوع يقطّعونه على هواهم ويصلونه على هواهم، ويُشيّئونه  ويجوهرونه (أي يجعلونه كياناً جوهريا جامداً لا يتطور ولا يتغيّر، لا يحول ولا يزول).

ثم يُضخّمونه حتى ليكاد يصبح غولاً مرعباً أو وحشاً إيديولوجيا يشبه الأخطبوط المنبعث باستمرار.

وإذا كان الغربيون لهم عذرهم في عدم فهم "الإسلام"، بسبب الأدبيات السياسية المتسرّعة الأحكام حول الإسلام، فما عذر المثقفين والمتنورين الإسلاميين الذين فتحت لهم مجلات خاصة وغرفوا من آبار البترول ما غرفوا، نقول لماذا أصبح الإسلام متصلّباً، جامدا، أبدياً، جوهرانيا ، لكانّه فوق الزمان والمكان والأحداث والتاريخ، وكيف بعد كل ما نُشر وكل ما أُسّس من منابر ثقافية في طول العالم الإسلامي وعرضه، وفي أوروبا وأميركا، لا يزال الإسلام هو السبب الأولي والنهائي لكلّ الانحرافات الأيديولوجية ومظاهر العنف والتعصّب الشائعة حاليا في العديد من المجتمعات التي يسودها هذا الدين، ونذكرها بالاسم، من مصر إلى اليمن فالبحرين ، وسوريا والعراق والسودان وتونس والجزائر والمغرب الأقصى، وصولا إلى أوروبا التي ترزح اليوم تحت ثقل موجات الهجرة الكثيفة إليها، ولا ننسى تركيا وباكستان وأفغانستان وإلى ما لا يحصى عددُه.

  مؤسسات ومحطات فضائية ومنابر ثقافية كلها"إسلامية" راحت طوال العقود الأربعة الماضية تنشر الفكر التبجيلي التقليدي للإسلام، وراحت تركّز على الشعائر والطقوس واللباس والزي والطعام الحلال والحرام في بلاد الاغتراب، ولم يُكلّف أحدٌ نفسه أن يكتشف ويقتنع بأنّ هنالك إسلاما سعوديا وآخر إيرانيا، واندونيسياً ،وتركيا وسنغاليا  وهلّم جرا، لم تقم دراسات جادة اتنولوجية لكل الفئات العرقية والثقافية الموجودة داخل المجال الواسع الذي انتشر فيه الإسلام، حتى تمكّن مؤسّس تنظيم القاعدة  وصحابته من أن يفتحوا لنا المعجم الديني القديم، ويستخدموا نُتفاً متفرّقة ومبعثرة منزوعة من سياقها التاريخي ليُبرّروا أعمالا هي بالأساس ذات جوهر إيديولوجي سياسي.

لا علاقة لها بالدين بالمعنى المتعالي والتنزيهي للكلمة. وإذا كُنّا فعلا نحاول أن نخرج من دوّامة هذا الوضع الذي نحن فيه من العنف الدموي الرهيب، والتّخبط الفكري والمعنوي حول كل مسألة لها علاقة بتصادم الحضارات والأديان، أن يكّف المثقفون أولا،  والمتنورون الإسلاميون ثانيا عن إعادة إنتاج فكر تبجيلي للإسلام لا طائل تحته أو فوقه، وأن يخطو خطوة جريئة في أن يكّفوا عن استعمال الإسلام كمفهوم تجريدي مُغلق، بمناسبة وبدون مناسبة، كما يفعل الصحافيون والإعلاميون الغربيون والإسلامويّون هذه الأيام على حدّ سواء.

إنّ هذا الاستخدام المهووس للكلمة"إسلام" من دون أي حسّ نقدي ونزيه ومُنصف من قبل الحركات السياسية المعاصرة والمدعوّة "إسلامية"، وهي في الواقع حركات سياسية مُتورّطة في صراعات ضارية،وتقارب الصواب مرة وتُجانبه مرات، والعكس جائز، إنّما عليها، وعلينا أيضا، أن نكشف القناع الديني عن وجهها، فليس كل ما تدّعيه يرقى إلى مصاف المقدس، فهناك اجتهادات وآراء شتى ، وبين هذه وتلك تُزهق أرواح وتُقاد شعوب بأكملها إلى مصائر مجهولة ومظلمة، وهذا لا يعفي الغرب وأميركا من مسؤولياتهما الجسام ، بعد توحُّش قوى العولمة التي لم ترحم أكثر من أربعة اخماس الكرة الأرضية، وهذا بالطبع يحتاج إلى نقاش إضافي.