إن حب الوطن أمر فطري في الإنسان, إلا أن مفهوم الوطنية بوضوحه وأهمية كركيزة أساسية في النمو النفسي والاجتماعي والتربوي للفرد. لم يتوافق مع سياق ونسق القيم والأفكار التي يؤمن بها بعض ذوي الانحراف الفكري الديني. فالوطنية لديهم شبهة من الشبهات التي يجب درؤها والتنزه منها. فجاءت كتاباتهم وفتاواهم مليئة بتشويه هذا المفهوم ومن يؤمن به.

فهي في نظرهم: مفهوم جاهلي، وثني خطير فيه دعوه إلى الانصهار في بوتقة الوطن واعتباره رابطا قومياً يعلو فــوق كل الروابـط الأخرى. وهو لا يخرج عن كونه صنماً أو إلهاً يعبد من دون الله وأن الناس سيتخلفون عن مبادئهم الإسلامية باسم الوطنية ويستشهدون بقوله تعالى ( ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله ) “والواقع أن ولاء المسلم لدينه وانتماءه لأمته لا يتعارض مع الوطنية بل إن العلاقة بينهما علاقة وئام وامتزاج وارتباط حتى إن الدين لا يقوم إلا على أرض ووطن   أن الفهم الخاطئ للشريعة الإسلامية ومقاصدها السامية هو انحراف فكري عن المنهج العقلي السليم. وتتضح آثار هذا الفهم الخاطئ في التباس المفاهيم وقلب المقاصد وتحريف النصوص.

إن آثار الانحراف الفكري على الأمن الفكري كما يظهر في قلب المفاهيم والمعتقدات تكمن في الحروب الكلامية بين أفراد المجتمع نحو الاتفاق على معاني واحدة وواضحة للقضايا الاجتماعية والدينية التي يتعرض لها المجتمع مثل: قضايا الولاء والبراء، والشرك، والتوسل، والولاية والجماعة، والتكفير والغلو، والموقف من الصحابة، إضافة إلى مفاهيم وقضايا الدعوة، والحسبة والجهاد والإرهاب، وقضايا الشباب والمرأة والحجاب والحوار والإصلاح والعولمة.

فترى كل فريق و كل جماعه تقول انها التي تحارب من اجل الحق و لكن بمفهومين مختلفين   ومن مخاطر الانحراف الفكري على الأمن العقائدي بشكل خاص، التجرؤ على أحكام الدين بإصدار فتاوى التكفير والتبديع والتحليل والتحريم، والخوض جهلا في مسائل العهد والأمان والذمة وأحكام الجهاد والحرب والسلم دون معرفة كافية لمراتب الأحكام أو مراتب الناس، فيظهر تعسيف النصوص والاجتهادات المخالفة لما أجمعت عليه الأمة اذ يؤمن أصحاب الفكر المنحرف بامتلاكهم للحقيقة المطلقة وتعذرهم في التعايش مع الآخرين، وتضيق صدورهم بالرأي المخالف إلى الحد الذي قد يدعوهم إلى استبعاد صاحبه وتصفيته.

وفي مواجهة ذلك يقف الفكر الديني المتسامح بالمتسم بالوسطية والذي لا يجد أصحابه تعارضا بين يقين ديني يؤمنون به أو يدعو إليه، وبين الآخرين في اعتناق ما يرونه من عقائد دينية يؤمنون بها ويدعون إليها فهم يمتثلون لقول الله تعالى: “لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي.

ومن من أخطر آثار الانحراف الفكري هو السقوط في هاوية تكفير الآخرين واستباحة دمائهم وأموالهم، وهو ما وقع فيه الخوارج في فجر الإسلام الذين كانوا أشد الناس تمسكا بالعبادة .

ومن الآثار الخطيرة الأخرى للتكفير صرف اهتمام المسلمين عن أمور الحياة الهامة، واستنفار جهدهم في صراعات دينية وفكرية يزيد معها الأعداء ويقل معها الأخوة والأصدقاء، فتصبح المعركة بين المسلمين أنفسهم بطوائفهم وفئاتهم ومذاهبهم بدل من استنفار الجهود في العمل الصالح والنافع للدين وجمع شمل الأمة على منهج رباني واحد. ومن جانب آخر ، فقد يؤدي التكفير في ظل الانفعال الحاد والكراهية العميقة إلى سلوك العنف الذي يتمثل في العدوان الجسماني على أعضاء الجماعة موضوع الكراهية أو الإبادة ( الإفناء ) وهي المرحلة النهائية للانحراف الفكري المتطرف بين الجماعات وتشمل الإبادة الجماعية أو الإعدام دون محاكمة قانونية يتبع...