بانت ملامح تصدع التحالف الوطني الحاكم في العراق المكون من أحزاب شيعية، إثر هجوم عمار الحكيم زعيم المجلس الأعلى الإسلامي على أطراف سياسية، متهما إياها بالسعي إلى “تفجير البيت الشيعي من الداخل”، متعهدا بتقديم حكومة جديدة.

ويعكس هذا الهجوم قلقا من المجلس الأعلى حيال استئثار الزعيم المنافس مقتدى الصدر بالاهتمام الإعلامي، وخاصة نجاحه في فرض إملاءاته على رئيس الوزراء حيدر العبادي والحصول على حصة بستة وزراء في الحكومة المرتقبة.

واحتدم التنافس بين الأحزاب الشيعية للاستحواذ على الحكومة العراقية بعد تصاعد المؤشرات على فشل العبادي في تمرير حكومة تضم وزراء من التكنوقراط قدمها إلى مجلس النواب، بعد سنوات من الفشل السياسي والاقتصادي.

وأعلن زعيم المجلس الأعلى الإسلامي (أحد أقطاب التحالف الوطني الشيعي)، عن سعيه إلى تقديم تشكيلة وزارية جديدة، تكون قادرة على إدارة البلاد للسنتين المتبقيتين، والتوجه إلى انتخابات مفصلية.

وشّن الحكيم هجوما عنيفا على أطراف سياسية، متهما إياها بالسعي إلى “تفجير البيت الشيعي من الداخل”، متوعدا بـ”محاسبتهم قريبا”، وقال “هناك من يحاول تفجير التحالف الوطني من الداخل، من خلال كلمات حق يراد بها باطل، ويحاول أن يسقط المنهج بذريعة الفشل، هم يحاولون أن يسترجعوا بالمكر والخداع ما يمكن أن يسترجعوه، لكننا لن نهادن وسنكمل المسيرة لنصل بالجميع إلى بر الأمان”.

والتحالف الوطني الشيعي، هو أكبر كتلة داخل البرلمان تضم عدة كتل أبرزها ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي، والمجلس الأعلى الإسلامي بزعامة عمار الحكيم، والتيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر، وتيار الإصلاح بزعامة إبراهيم الجعفري.

وتشير تصريحات الحكيم إلى تصدع التحالف، وفي توقعات لبعض المراقبين فإن التحالف في طريقه إلى الانهيار، الأمر الذي يجعل كتله منفردة تبحث عن خلاص.

وقال الحكيم خلال كلمة له في العاصمة بغداد “نسعى إلى الاتفاق على تشكيلة وزارية جديدة، تكون قادرة على إدارة البلاد للسنتين المتبقيتين من عمر الحكومة، ونتجه إلى انتخابات مفصلية، وستكون هناك مرحلة جديدة في العمل السياسي”.

وأضاف “مهمتنا الآن حماية العراق والعبور به إلى بر الأمان، وبعدها سيكون الحساب عسيرا، لكل من غامر بدماء الشهداء وبدد أرزاق العراق وخان الأمانة”.

واعتبر مراقب سياسي عراقي ما يفعله الحكيم نوعا من الهروب إلى الأمام، خشية منه أن تحتد المواجهة الشيعية ــ الشيعية وينتقل الصراع إلى مرحلة الحرب المكشوفة.

وقال في تصريح لـ”العرب”، “كانت فكرة التضحية بحزب الدعوة ولا تزال هي محور المحاولة للخروج من المأزق، لذلك قد يحاول الحكيم استمالة مقتدى الصدر إلى جانبه، بعد أن نجح الصدر في فرض شروطه على رئيس الوزراء”.

وعبر عن اعتقاده بأن تلك المحاولة لن يكتب لها النجاح، فالصدر الذي يدرك أن الأطراف الشيعية الأخرى تكن له العداء وتزدري تياره، لن يأمن إلا إذا تحققت مطالبه في التغيير على طريقته. وهي طريقة تضمن له السيطرة على عدد أكبر من الوزارات.

ويرى المراقب العراقي أن الصورة لم تكتمل بعد، بالرغم من أن الولايات المتحدة قد ألقت بثقلها إلى جانب رئيس الوزراء.

وأضاف “في هذه الحالة علينا أن نعترف أن الولايات المتحدة لا تملك القدرة على فض الاشتباك بين الأطراف الشيعية، إذن المحاولة الأميركية ستفشل في رأب الصدع”.

وتوقع المراقب أن يلجأ الخصوم إلى التصعيد، متسائلا: هل سيكون الحسم من مسؤولية الحشد الشعبي؟

واعتبر مراقبون عراقيون أن إعلان الحكيم أشبه برد على مقتدى الصدر الذي سبق وأن قدم تشكيلة وزارية وقاد اعتصاما مع مؤيديه لكنه سرعان ما تراجع وأظهر دعمه للعبادي. ومحتوى هذا الرد أن المجلس الأعلى الإسلامي لا يزال له وجوده وأن الصدر لم يستطع انتزاع المبادرة منه، في منافسة سياسية بين معمّم مع معمّم آخر.

وتصاعد العداء بين آل الصدر ممثلين بمحمد محمد صادق الصدر وآل الحكيم ممثلين في المجلس الأعلى خلال التسعينات، عندما بدأ الصدر بالتبشير لمرجعيته، وحصل اقتحام للمدرسة الدينية التابعة للمرجع الحالي محمد سعيد الحكيم.

وقد بث المجلس الأعلى آنذاك إشاعة عمالة الصدر لنظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين، وتولى إدخال كراس إلى النجف وتوزيعه سرا ضد الصدر.

وكان الأخير يتولى عبر خطبه في مسجد الكوفة ثلب آل الحكيم علانية ناهيك عن مجالسه الخاصة، وقد ورث الأبناء والأحفاد هذا العداء لكنه يزيد وينقص حسب المؤشرات السياسية.

 

 

صحيفة العرب