يُفترض أن يسجّل الأسبوع المقبل، تحولات مهمة في الملفات اليمنية والليبية والسورية على أيدي المبعوثين الأمميين الثلاثة المكلفين بالبحث عن الحلول السياسية لهذه الصراعات التي يتداخل فيها الإقليمي مع الدولي مع المحلي.

 

 

سورياً، ومع اقتراب الخطة الحقيقية، تبدو الدول الغربية، بالذات الولايات المتحدة وبريطانيا، في تراجع الأمر الواقع أمام إصرار روسيا وإيران على خوض بشار الأسد المعركة الرئاسية لأنه، في رأيه، جزء من العملية السياسية الى حين انتهائها بعد 18 شهراً بالانتخابات الرئاسية. ليبياً، بدأت الصرامة تشق طريقها الى المواقف الدولية التوافقية نحو محورية السيطرة الأمنية على العاصمة طرابلس، مع تلقي طلب رسمي من حكومة الوفاق الوطني يمكِّن الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وايطاليا من تشكيل حلف ضد «داعش» و»القاعدة» يشابه الحلف الدولي الذي يعمل مع الحكومة العراقية حالياً. يمنياً، تتقاطع الاتصالات الجارية في السعودية مع الوفد الحوثي مع التغييرات الحكومية المعلنة هذا الأسبوع، وعنوانها عسكري بقدر ما هو ديبلوماسي. تتقاطع أيضاً مع التفهّم الدولي للمعطيات الميدانية والسياسية الجديدة للدفع بالعملية السلمية الى الأمام.

 

 

الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، اتخذ قراراً مفاجئاً بإقالة نائبه ورئيس الحكومة الأسبق خالد بحّاح من منصبيه كنائب رئيس وكرئيس حكومة، وعيّن الفريق علي محسن الأحمر نائباً للرئيس، وأحمد بن دغر رئيساً للوزراء. اختيار الأحمر للمنصب المهم أثار التساؤلات، لا سيما أنه رجل مُثقَل بتاريخ البطش. فحروبه عديدة، بما فيها حربه مع الحوثيين، وبالتالي، يستحيل أن يصبح رئيساً. إنه نائب رئيس لأكثر من سبب، ليس من ضمنها خيار أن يصبح رئيساً.

 

 

ماذا عن انتماء الأحمر الى «الإخوان المسلمين»؟ تقول مصادر أن الرجل هو من جماعة «الإخوان» إنما من «العيار الخفيف». والسبب هو أن علي محسن الأحمر ليس عقائدياً ولا انتماءات أيديولوجية له أو لأمثاله. فهو، مثل الرئيس السابق علي عبدالله صالح ومن «العجينة» ذاتها. وهذا هو السبب الرئيس وراء استدعائه لمنصب نائب الرئيس، الى جانب اقتناع عبد ربه منصور هادي بأن وجود الأحمر كنائب له يضمن استمراره في الرئاسة.

 

 

فوائد علي الأحمر لدى الذين يدعمون اختياره هي في أنه يمتلك القدرات العسكرية والقبلية، يفهم معادلة القبائل والمصالح، قادر على استيعاب أجزاء كبيرة من القبائل في الشمال، وعلى استعادة الجيش اليمني معنوياته، وعلى استقطاب جزء من الجيش الذي انشقّ لمصلحة علي عبدالله صالح – فهو، بحسب رأي هؤلاء، الند لصالح في موازين الرعب وشراسة القتال.

 

 

مصادر أخرى مطلعة عن كثب على ملف اليمن، قالت أن إجراءات الرئيس اليمني هي رسالة للحوثيين وأتباع علي عبدالله صالح الذين انقلبوا على السلطة، عنوانها: أمامكم إما السلام المستدام، أو مواصلة الحرب الشرسة بمواجهة مع علي محسن الأحمر.

 

 

ونقلت هذه المصادر ما تبلغه المبعوث الأممي اسماعيل ولد الشيخ كي يقوم بإبلاغه الى الحوثيين وهو: لا تخطئوا القراءة والحسابات. نريد السلام معكم، إنما ليس من موقع ضعف أو خوف.

 

 

ما حدث ميدانياً في ساحة الحرب اليمنية هو الذي دفع الحوثيين الى إعادة النظر والبدء في عملية التفاهم مع السعودية. أحدهم قال أن الحوثيين «وُلِدوا وشاخوا في غضون سنة». استنتجوا أن المعونات الإيرانية لهم من تحت الطاولة لن تكون كافية لخوض حرب شرسة، وأن الإمكانات المادية الإيرانية لن تكفي لتحمّل عبء الحرب في اليمن، لذلك قرروا الابتعاد قليلاً عن إيران. وافقوا على التفاهم مع السعودية بالرغم من رفض طلبهم الاعتراف بهم كقوة مقابلة للقوة الشرعية المتمثلة في عبد ربه منصور هادي. وجدوا أن الفرصة متاحة عبر المبعوث الأممي للبحث في التسويات على أساس القرار 2216، والتي تدعمها الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، وبالذات الولايات المتحدة وروسيا. فهموا أن هذه الدول تفهمت إصرار السعودية على الجزء المتعلق بحدودها مع اليمن ورغبتها في حل سياسي بعدما أطاحت الخطر الآتي عليها عبر الحدود.

 

 

إسماعيل ولد الشيخ سيسعى الى تثبيت الهدنة ومراقبة وقف النار الذي يبدأ في 10 الشهر الجاري، وكذلك في المفاوضات في 18 الجاري في الكويت. سيعمل نحو الحصول من مجلس الأمن على دعم المحاور الخمسة التي أعلنها ويريد تفعيلها في خمس فرق عمل تعمل بالتوازي، وهي: الانسحابات، تسليم الأسلحة الى الدولة، الترتيبات الأمنية الموقتة، معاودة العملية السياسية، تبادل إطلاق سراح المعتقلين. الفكرة هي العمل لأسبوعين بالتزامن على المحاور الخمسة من أجل وضع صياغات نحو الحل الشامل.

 

 

قد تكون هذه الانفراجات قفزة نوعية نحو إنهاء النزاع في اليمن، وقد تكون مجرد استراحة المحاربين من أجل العودة الى القتال بضراوة أكبر. الأمر يعتمد على اعتبارات عدة ليس سهلاً التنبؤ بها، لا سيما أن شراسة القتال باتت جزءاً من موازين المفاوضات السياسية. فعنصر علي عبدالله صالح ما زال في المعادلة بغض النظر عن اعتبار البعض حالياً أنه بات مهمشاً، وقول البعض الآخر أنه لن يتمكن من أن يحصل على أي شيء «بعدما غدر به الحوثيون». فهناك من يتصور أن صالح أصبح معرقل العملية السياسية وأن لا مخرج آمناً له لأن شروط مغادرته تعجيزية، ذلك لأن الأموال التي لديه ويريد إخراجها هي التي ستجعل خروجه غير آمن، وبالتالي، «إنه لا يراهن على الخروج وإنما على الخروج الآمن بشروط تعجيزية».

 

 

لعل عنصر الإنهاك هو الذي سيساعد اليمن على إيقاف حروبه العديدة بقدر ما لهذا العنصر من تأثير في مسيرة ليبيا الدموية.

 

 

وصول رئيس حكومة الوفاق الوطني، فايز السراج، الى العاصمة طرابلس أتى بدعم دولي وبتعهد الأمم المتحدة مواصلة الدعم كي تتمكن هذه الحكومة من تعزيز سلطتها في العاصمة. قيام مبعوث الأمين العام مارتن كوبلر بأول زيارة له الى طرابلس وإعلان عدد من الدول عودة سفرائها الى العاصمة الليبية، يعنيان أن هناك حداً أدنى من الأمن، وقد يكون المؤشر الى أن الميليشيات التي كانت تسيطر وافقت الآن على حكومة الوفاق. هذه الحكومة حظيت بدعم سياسي واقتصادي، عبر إعلان البلديات الولاء وتأييد المؤسسات المالية والاقتصادية لها مثل المصرف المركزي، والمؤسسة الوطنية للنفط، والمؤسسة الليبية للاستثمار.

 

 

ما تريده الدول الغربية، تدعمها في ذلك روسيا، هو أن يؤدي استقرار حكومة السراج الى مساندتها في مواجهة خطرين أساسيين هما: أولاً، تمدد تنظيم «داعش» في الداخل الليبي وتمكنه من التوسع عبر الحدود الليبية في أوروبا وأفريقيا. وثانياً، الهجرة غير الشرعية عبر السواحل الليبية الى أوروبا، والتي تعتزم الدول الأوروبية مكافحتها. ما تريده هو صلاحية من الحكومة الليبية للتدخل عسكرياً في ليبيا ضد الإرهاب، وعبر المياه الإقليمية لمكافحة الهجرة غير الشرعية.

 

 

التحدي الأول يكمن في السيطرة الأمنية على العاصمة والبلاد، والتي تتطلب تجهيز الجيش والشرطة. القدرات الأمنية الحالية تجعل الكلام عن التصدي الحكومي لأمثال «داعش» غير وارد، في ظل استمرار مجلس الأمن في تطبيق حظر السلاح على الحكومة الليبية، ولذلك يتم الاتفاق على التصديق على قرارات استثنائية تعجّل بصفقات سلاح معينة بموافقة سريعة.

 

 

المستفيد من الصفقات العسكرية هو بالدرجة الأولى روسيا، نظراً الى أن كل السلاح الجوي الليبي حالياً هو سلاح روسي وشرقي. أما التدريب وإعادة الهيكلة للجيش والشرطة، فقد يكونان بمساعدة من بريطانيا وإيطاليا.

 

 

ما تحتاجه ليبيا ليس مجرد استقطاب جيشها وشرطتها لخوض المعركة ضد «داعش» وأمثاله، وإنما تحتاج الى مساعدة للحكومة كي تتخلص من الميليشيات وتنجح في دمجها في الأجهزة الوطنية. هذا الى جانب تمكين الجيش والشرطة من الحصول على السلاح المناسب.

 

 

حكومة الوفاق بدورها، لن تتمكن من العمل طالما ترفض الميليشيات تسليم السلاح والاندماج. لن تتمكن من حسن الأداء إذا لم تدخل الى الحكومة شخصيات ذات خبرة إدارية وسياسية. الفرصة متاحة إنما شرط أن تتزاوج القرارات المحلية والاقليمية والدولية لإحداث تغييرات جذرية والبدء ببناء جدي للمؤسسات الليبية. فوقف النزيف ربما أتى بسبب الإنهاك، إنما الإعمار لا يأتي بإجراءات تكتيكية.

 

 

موضوع سورية يتطلب تخصيص مساحة أكبر من فقرة أخيرة، إنما الأكيد هو أن لحظة الحقيقة تفرض على الجميع الصدق مع النفس ومع الآخر – وهذا ما زال مغموراً في طيات الصفقات والتمنيات. فعنوان العرقلة هو مصير بشار الأسد، ومفتاح الحلحلة هو مصيره في العملية السياسية الانتقالية في سورية المفترض أن تنتهي بانتخابات رئاسية بعد 18 شهراً من بدء المفاوضات. عبء إثبات حسن النوايا يقع بالدرجة الأولى على جون كيري وسيرغي لافروف، وليس على أكتاف بشار الأسد. فهو واضح وعارٍ في لحظة الحقيقة ولا يخفي أنه يعتزم خوض المعركة الرئاسية حتى ولو على الأنقاض السورية. أما الآخرون، وبالذات رعاة الحل السياسي المزعوم، فإنهم يختبئون وراء الإصبع وهم يهربون الى الأمام.