في عام 2007 اعلن في الامم المتحدة عن تشكيل المنتدى الخاص بقضايا الاقلية،ويهدف الى توفير منبر لتعزيز الحوار والتعاون بشان الازمات الناجمة عن تهميش الاقليات قومية واثنية ودينية ولغوية، وقد ساهم المنتدى بطرح حقوق الاقليات في التعليم والمشاركات السياسية والاقتصادية وضمان حقوق نساء الاقليات باشراف الخبير المستقل، غير أن هذه الخطوة الحوارية ومن قبلها مئات البرامج والمواثيق الدولية لم تقف على الجانب الاجتماعي من ظاهرة العدوان على الاقليات واستباحة دمائهم واعراضهم ومقدساتهم تحت شعارات دينية تبرر جرائمها بنصوص القطع والكراهية، فيما شهدناه من ارهاب التكفير الديني الذي لا يعترف بشيء من خصوصية الاخر المختلف بثقافته ومعتقده.

وفي سياق المعالجات الرسمية لمكافحة هذه الظاهرة وخطرها، لم تنجح تدابير النظام العربي لحماية الاقليات في ارهاب التخوين السياسي والتكفيرالديني بوضع الأمن الديني والأمن الإجتماعي وإدراجهما في استراتيجية الأمن الوطني وسياسات الأمن القومي،  والسؤال التحدي، مذا يمكن أن نفعل لتغيير أوضاع الأقليات المستضعفة في أوطانها ومغترباتها ؟ وهل يمكن مقاربة المشهد العربي المازوم بواقع الاقليات بمعزل عن محنتها العالمية واخفاق معظم المؤسسات والمنظمات الدولية عن مناهضة التمييز العنصري ؟ وهل يمكن حماية الاقليات بدوافع انسانية وقانونية لا تتورط بالنزوع السياسي وازدواجية المعايير الغربية في تطبيق فكرة الحماية.
وإذا كان عالم اليوم هو عالم الأقليات القومية و الثقافية والدينية فهل يتجه بأحلامه أو أوهامه نحو المواطنة العالمية وتحولاتها في تشكيل الدول القادمة وهويات المستفبل ؟
وبعيدا عن أخطاء الأقليات بالعنف، وقمعها بالتسامح وجرّ الأديان التوحيدية يهود ومسيحيين ومسلمين إلى فصول دامية من المجازر والإبادات الوحشية، ألم تساهم الأقليات التاريخية في بناء المنجزالحضاري الإنساني واثراء قضيته وتقدمه بجوهرة ائتمانها لهوية أخلاقية وسياسية لا مكان فيها لتحريم التعدد وتكفير الإختلاف؟

هذه الاسئلة وسواها من الهواجس المثيرة للجدل ستربط الراهن المعاصر من أزمة الاقليات بسؤال الحداثة السياسية بعد قرن كامل من النزاعات التي دارات وتدور تحت غطاء ديني أو عرقي، غزلته توظيفات الاستبداد الديني والتغيير الديمغرافي وطغيان الهويات المتوحشة حتى اقترنت نوازع التقسيم بأوجاع الاقليات ومخاوفها.
وما يزال العزل السياسي والاجتماعي والثقافي للأقليات ظاهرة ملازمة لمجتمعاتنا القبلية والطائفية وسياسات أنظمتها المذعورة من رهاب الأقليات، بذريعة الخوف من مطالبها بالحكم الذاتي وتقرير المصير والإستقواء بالخارج، كذلك تفاقمت أزمة الأقليات في داخل النسيج العربي الممزق بفعل قوانين الطواريء وتكريس سلطة الأغلبية والديمقراطيات التوافقية واتساع الحلقة المفقودة بين نصوص الدساتير العربية وتطبيقاتها، حتى في داخل المذهب الواحد والجماعة الواحدة من دون أي التفات الى ربط حل الأزمة كجزء لا ينفصل عن مشروع بناء الدولة المدنية وصدقية حماية الاقليات بالشروط الموضوعة الضامنة لحقوق المواطنة كاملة ومتساوية.


وفي مناخات القطع والقطيعة وتناقضات الدولة و المجتمع وانقسامات التيارات الاسلامية والليبرالية على بعضها في رؤيتها لنقد العقل العربي وبناء الذات، تراجع الحوار عن  مقاربة الجوانب الفكرية والقانونية والاجتماعية والسياسية من أزمة المواطنة والأقليات، وتورات قوة الضغط الإيجابي المرتجى من الحوار وارتدت النخب نفسها إلى حظيرة الأقليات وأقفاصها المذهبية والطائفية فيما كنا نراهن على دور المجتمع المدني ومؤسساته لمراقبة تنفيذ الميثاق العربي والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية للأقليات.
 اهتزّ الربيع العربي الزائف بعواصفه الكارثية المعروفة، لتظهر من جديد حركات العنف الاقصائي والتكفيري فترتكب أبشع جرائمها ضد الاقليات الدينية والاثنية في واضحة النهار
.
وعادت بنا الذاكرة الى سبعينات القرن الماضي وانكشاف الحديث عن الاقليات في سياق ما عرف بتقسيم المنطقة تحت خيمة الشرق الاوسط الكبير، واستثمار أزماتها في مجالين، أحدهما:  في حرب الفتن الدموية، وبإشعال الحروب والفتن الدموية بين أبناء الوطن الواحد والامة الواحدة، وثانيهما: في امتداد الاسرتاتيجية الناعمة التي تعتمد على الأقليات في رسم حدود الدم والأقواس المتحاربة وتلوين خرائط الدويلات الجديدة التي سوف تظهر في العالم العربي لإطلاق وإنتاج مفاهيم عرقية وطائفية تقوم على مشروعين، أحدهما : قطع علاقات الأقليات بالتاريخ واختزال هويتها بالمكان، وثانيهما:منع الدولة من العودة إلى إحياء فكرة الوحدة الوطنية الجامعة .
من هنا يتقدم الحوار هذه المرة بعناوينه وموضوعاته ورسالته لمقاربة معضلة الأقليات في الوحدة والاستقلال والحرية و التنمية و العدالة الاجتماعية باعتبارها جزءا من مشكلات الأغلبية المحرومة من تحقيق مشروعها الحضاري العربي الاسلامي، ولا أفق في المدى المنظور في تحديات هذا المشروع ونهوضه إلا بالحوار بوصفه الخيار الوحيد لا في إدارة الأزمات فحسب، بل في اجتراح الحلول الواعدة بميلاد الأمة في دولة حديثة.
في ذلك نتطلع إلى توحيد الجهد العربي من أجل السلم الأهلي، وثمة آليات من شأنها توفير الشروط الموضوعية لإشاعة ثقافة الحوار وتحصين الأمن الديني وفي مقدمها مواد المواطنة.
مع مقترح إقرار حقوق الأقليات في معاهد التعليم الديني بخاصة  والمقررات المدرسية بعامة والاستفادة من الإعلام بجميع وسائله لهذا الغرض .