أرجعت مصادر سياسية متعدّدة سبب صمود رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في موقعه على رأس الحكومة، رغم مساعي الإطاحة به من صقور العائلة السياسية الشيعية بمن في ذلك قيادة الحزب الذي ينتمي إليه، إلى وفاق إيراني أميركي، مبني على التقاء مصالح دون أن يكون بالضرورة وليد اتفاق مسبق.

ومن مصلحة واشنطن وطهران الحفاظ على استقرار وتواصل العملية السياسية الجارية في العراق والقائمة على المحاصصة الحزبية والطائفية والعرقية، وهي العملية التي كانت في الأصل وليدة وفاق سابق بين الطرفين يعود إلى فترة غزو العراق من قبل الولايات المتحدة والإطاحة بنظام الرئيس السابق صدّام حسين الرافع للواء العلمانية والدولة الوطنية، وتنصيب نظام ديني بقيادة الأحزاب الشيعية، التي تواصل إيران دعمها والحفاظ على حدّ أدنى من وحدتها.

وقد ساهمت هذه العملية السياسية إلى حدّ بعيد في إضعاف الدولة العراقية على مختلف المستويات ومنع العراق من العودة كطرف فاعل وقوي في المعادلة الإقليمية.

واصطدم رئيس الوزراء العراقي وهو يحاول الاستجابة قدر المستطاع لمطالب الشارع بالإصلاح إنقاذا للدولة العراقية من الانهيار، بمصالح كبار الساسة النافذين المتمسّكين بمكاسبهم السياسية والمادية وبمواقعهم في الحكم، والمتوجّسين من المحاسبة في قضايا فساد متراكمة منذ 13 سنة.

ومع تقديم العبادي مقترحه بحكومة تكنوقراط بديلة عن حكومة المتحزّبين تعالت الأصوات مطالبة بتنحّيه، ومنها صوت سلفه على رأس الحكومة نوري المالكي. وكشف سياسيون ودبلوماسيون أن الخصمين العتيدين، واشنطن وطهران، مارستا ضغوطا على حلفائهما في العراق كي يوقفوا مساعيهم لتنحية العبادي.

وذكرت مصادر مطلّعة على كواليس السياسة العراقية أن المساعي الأميركية والإيرانية ساعدت، الأسبوع الماضي، على وأد محاولة لإبعاد العبادي عن منصبه قام بها المالكي الأمين العام لحزب الدعوة الذي يسيطر على حوالي ثلث مقاعد البرلمان.

وقدم العبادي، الخميس الماضي، للبرلمان قائمة تضم 14 اسما مقترحا لشغل المناصب الوزارية في حكومة التكنوقراط أغلب أصحابها أكاديميون، في خطوة تهدف لتخليص الوزارات من براثن نخبة سياسية استغلت نظام الحصص العرقية والطائفية الذي أرسي بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003 في تكوين الثروات والنفوذ بطرق ملتوية.

وأحدثت تلك الخطوة التي تهدف إلى إضعاف شبكات المحسوبيات التي تبقي على الثروة والنفوذ في أيدي الصفوة، صدمة في المؤسسة السياسية التي تحكم العراق منذ الإطاحة بصدام حسين ومنها حزب الدعوة الذي ينتمي إليه العبادي نفسه، والمجلس الأعلى الإسلامي والائتلاف الكردي.

ونقلت وكالة رويترز عن مصادر “على دراية بسير الأمور” القول إن جو بايدن نائب الرئيس الأميركي والجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، أوضحا بالفعل قبل الإعلان عن التشكيل الوزاري العراقي الجديد أنه ينبغي عدم القيام بأي محاولة لتنحية العبادي حفاظا على قوة الدفع في الحرب على تنظيم داعش.

وقال سجاد جياد وهو محلل يقدم المشورة لرئيس الوزراء إن الأميركيين والإيرانيين والسيستاني كان لهم جميعا نفس الرأي الذي يتلخّص بأن “يبقى العبادي في السلطة ويعين وزراء جددا”.

ومساء الأربعاء الماضي، وقبل ساعات من إعلان العبادي عن تشكيلته الوزارية الجديدة، أشار نوري المالكي إلى أن رئيس الوزراء قد يطاح به بموافقة تكتلات أخرى وذلك حسبما صرح مسؤولون كبار.

وقال حسين الشهرستاني وزير التعليم العالي في الحكومة الحالية إن المالكي كان يطالب بتغيير كامل لمجلس الوزراء يشمل العبادي نفسه.

وذكر النائب الشيعي البارز موفق الربيعي أن الأمر بلغ بالمالكي حد الاستعداد لقبول شخصية تحل محل العبادي ولو من خارج حزب الدعوة.

وقال متحدث باسم المالكي “لا نعارض إذا شكل العبادي الكابينة الوزارية. أما إذا كانت رغبة القوى السياسية استبداله، فإن دولة القانون لا تقف موقفا معارضا طالما تمت المحافظة على سير العملية السياسية”.

لكن العبادي صمد ودعمته دعوة أطلقها بايدن قال جياد إن مغزاها كان “أنت أملنا الأخير في العراق”.

وحين سئل أحد مساعدي بايدن في واشنطن عن الدعوة قال “إنّ الإدارة أشارت على كافة المستويات إلى أن مساعي إبدال رئيس الوزراء أو اتخاذ خطوات أخرى من شأنها أن تشل حركة الحكومة ستأتي بآثار عكسية تماما بالنسبة لاستقرار العراق والحملة المشتركة لدحر داعش”.

وقال دبلوماسي غربي إن المساعي الأميركية لضمان عدم سقوط العبادي كانت حثيثة في الأيام التي سبقت إعلان يوم الخميس الماضي.

وقال الربيعي إن الأمر يتطلب استمرار هذا خلال الأسبوع الحالي لاقتناص موافقة الأكراد والسنة على الحكومة الجديدة.

وناقش بريت ماكغورك المبعوث الأميركي للتحالف المناهض لتنظيم داعش الأزمة السياسية مع مسعود البارزاني رئيس إقليم كردستان العراق، الأحد، قبل أن يزور بغداد لإجراء محادثات مع مسؤولين آخرين. والتقى أيضا وفد زائر من الكونغرس الأميركي بمسؤولين من الحكومة والجيش من بينهم العبادي.

كذلك تحدّثت مصادر عراقية عن لقاء غير معلن عنه جمع، الأحد الماضي، بين نوري المالكي والسفير الأميركي في العراق ستيوارت جونز في منزل وزير التعليم العالي حسين الشهرستاني بالمنطقة الخضراء.

وقال دبلوماسي أميركي كبير في بغداد إن هناك رغبة في وجود حكومة عراقية قوية يرأسها العبادي يمكنها أن تواصل الحرب على تنظيم داعش.

ونقلت إيران رسالة مماثلة للمسؤولين العراقيين. وقال سياسي شيعي إن سليماني اجتمع مع ممثلين للمالكي ومع عمار الحكيم زعيم المجلس الأعلى الإسلامي. وقال جياد “كل من الأميركيين والإيرانيين يريد تجنب إزاحة العبادي عن منصبه”.

 

صحيفة العرب