يُجمع المتابعون على أنه لن يكون سهلاً الوصول الى الخواتيم المرجوّة في ملف الإنترنت غير الشرعي قريباً. فالتداخل ما بين الإستغلال السياسي والإعلامي الذي بلغ الذروة والجهد القضائي فعل فعله. وهو ما سيعوق بلوغ بعض الحقائق مع استحالة الإضاءة على قسم منها، فبعض ما ارتكب كان عظيماً. فما الذي قاد الى هذه المعادلة؟ مَن استمع الى التصريحات التي تلَت إجتماع لجنة الإعلام والإتصالات النيابية أمس الأول اعتقد أنّ التحقيقات الجارية على أكثر من مستوى أمني وقضائي واستخباري وتقني قد بلغت مرحلة متقدّمة. فقد تحدّث بعض النواب عن لائحة إسميّة بالمتورّطين والموقوفين بدأت تكبر وأنّ الأمور تتدحرج.

وهو ما نفاه الممسكون بالملف قضائياً وإدارياً مع التمنّي بوقف كلّ أشكال إستغلال الملف وإنتظار الكلمة الفصل التي يمكن أن تصدر عن القضاء فور انتهاء التحقيقات في مديرية المخابرات في الجيش وفرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي، والتي لم تصل بعد الى النتائج المرجوّة التي تستأهل الكشف عن أيّ إنجاز بعد اجتماع اللجنة النيابية، بمقدار ما عكس بعض المواقف مزيداً من الغموض والتشتت في التعاطي مع الملف الذي يحتاج الى كثير من الدقة والمسؤولية في إختيار الكلمات التي تُعبّر عما وصلت اليه التحقيقات.

ومن هذه النقطة بالذات، تكشف المراجع المعنية أنّ التحقيقات القضائية القائمة على أربعة مسارات لم تصل بعد الى أيّ نتيجة موثوقة على أيّ منها. فالتقرير الذي تحدث عنه بعض وسائل الإعلام والذي رفعته مؤسسة «أوجيرو» السبت الماضي الى مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر ليس التقرير الأساس الذي طلبه، بل جاء تقنياً عاماً لا يتناول معلومات تفصيلية.

فصقر طلب في إحالته السابقة من «أوجيرو» تقريراً مفصّلاً ليكون في تصرف مديرية المخابرات والقضاء على حدّ سواء، وفيه ما يكفي من المعلومات التفصيلية عن نوعية الصحون اللاقطة ومصدرها والطريقة التي اعتُمدت في استيرادها الى لبنان ومدى شرعيّتها في اتجاهَي الإستقبال والتوزيع وقدرتها الإستيعابية. بالإضافة الى الأسباب التي حالت دون اكتشافها عند تركيبها.

والى هذا المسار، ما زال المدعي العام التمييزي القاضي سمير حمود يحقق في مسار آخر يواكبه القاضي شربل أبو سمرا ويتركز على الشقين الجغرافي والتقني للشبكة، وتحديداً ما يتصل بطريقة استقدام الإنترنت غير الشرعي والبحث عن نوعية العقود مع الخارج وطريقة إستجرارها من دولة المنشأ ومدى التزام القوانين التي ترعى تسويق هذه الخدمات في الداخل.

وهو مسار ما زال في بداياته ولم يسجّل التحقيق أيّ خرق مهم في هذا الإتجاه، علماً أنّ البحث يتناول إمكان وجود موظفين في الإدارة اللبنانية على علم بهذا الأمر لجهة استمرارية العمل وتأثيراته على مداخيل الشبكة الرسمية أو عدمها.

والى هذين المسارين لا تزال مديرية المخابرات في الجيش تحقق في إمكان الخرق الإسرائيلي للشبكة والإستفادة منها للتنصت عليها وعلى المستفيدين المشتركين فيها. وعلى رغم وعد نائب رئيس الحكومة وزير الدفاع سمير مقبل بأنّ تحقيقات المديرية تحتاج الى 15 يوماً إضافياً للتثبت مما تبحث عنه فقد عبّرت مراجع تقنية وقضائية عن إقتناعها بصعوبة هذا الأمر.

ويعتقد الخبراء أنّ الجريمة الكبرى التي ارتُكبت والتي تعوق التحقيقات الدقيقة على هذا المسار تكمن في إسراع التقنيين والفنيين من «أوجيرو» إلى تفكيك المحطات وعزلها عن الشبكة الدولية بالسرعة القصوى.

فيما يقول الخبراء إنه كان من الأجدر أن تطوّق القوى الأمنية هذه المحطات وتضع اليد عليها وهي في مرحلة العمل الطبيعية بكامل طاقتها وقدراتها التقنية والفنية للتثبت من وجود أيّ تنصت أو تدخل خارجي على الشبكة وقد يكون الإسراع في تفكيكها أمراً مدبّراً سلفاً لإخفاء حقائق كثيرة يمكن أن تؤدّي الى كشف أمر التجسس والتنصت من خلال التجارب الممكنة على الشبكة وأنّ هذين الأمرين باتا من سابع المستحيلات اليوم.

وبناءً على ما تقدّم تبقى الإشارة ضرورية الى أنّ محاولات استغلال هذه القضية وبث الروايات المختلفة التي لا يستند بعضها الى أيّ تحقيق واللجوء الى مجرد الإتهام على أساس النيات والإتهامات المسبقة ستنعكس على القضية وتحديداً على المسار القضائي الذي عبّر عن انزعاجه في السرّ والعلن، على أنّ ترك الأمر للسلطات القضائية له أصوله من الألف الى الياء.

فالألف ما هو مطلوب صمت السياسيين الى أن يقول القضاء بعد أجهزة التحقيق كلمته الفصل، والياء ما هو مطلب هو تسهيل الوصول الى تحديد عناصر النجاح ليقوم القضاء بمهمته. وما بين الأمرين مساحات شاسعة أخطرها الإصرار على اللعبة الإعلامية من دون أفق تقني أو مادي دقيق على حساب الجوانب الأخرى.

وأن يكون من بين مَن يدفع الى التصعيد مَن يريد إخفاء جوانب من الحقيقة فيما يرتاح آخرون الى التداخل القائم لتضييع المسؤولية وتوجيه الأنظار الى مَن لا علاقة لهم بالملف. فينتصر منطق النظريات والفرضيات السياسية على منطق الحقائق التي يجب كشفها والإضاءة عليها ليُبنى على الشيء مقتضاه.