حركة التحضيرات للانتخابات البلدية تتم على قدم وساق في مختلف المدن والقرى اللبنانية حيث تدار المعارك الإنتخابية وتطرح الأسماء للترشح ويتم تشكيل اللوائح بذات الطريقة التقليدية القديمة، إذ ان المصالح الضيقة جدا هي السمة البارزة، ثم أن المال والسلطة هما اصحاب الكلمة الأولى والمؤثرة في أوساط الناس التي تتهيأ لاختيار مجالس بلدياتهم.

إضافة إلى دور العائلة والعشيرة التي تلعب دورا أساسيا في ترجيح الكفة لصالح طرف دون الآخر، مما يعني ان المراهنات على إي أمل بالتغيير في أول استحقاق انتخابي تتحطم على صخرة الذهنية القديمة الانتخابات، فالضوء الذي لاح للبنانيين في آخر النفق المظلم من خلال الصرخة التي أطلقتها قوى المجتمع المدني والحراك الوطني قد تلاشى.

ذلك أن قوى الأمر الواقع الحاكمة في البلد من أعلى الهرم إلى الأسفل أثبتت فشلها في إدارة البلد وشؤون الناس حتى في أبسط الأمور كالنفايات وازمتها المتفاقمة منذ ما يقارب السنة مع كل ما رافقها من أمراض ومناظر مؤذية لجبال منها مكومة في شوارع العاصمة بيروت ومعظم المدن اللبنانية، وصفقات مشبوهة واعتصامات واحتجاجات تضاف إليها أزمة الشغور الرئاسي التي قاربت السنتين من دون إمكانية الإتفاق على مرشح توافقي بين أصحاب السلطة في البلد.

فضلا عن العجز الواضح في تأمين النصاب في مجلس النواب في الجلسات ال 34 المخصصة لانتخاب الرئيس، عدا عن الشلل الحكومي الذي تسببه الانقسامات والاختلافات بين الكتل السياسية والحزبية على كافة القضايا والمشاكل التي تهم المواطن اللبناني الذي يعاني من الإهمال والحرمان والغلاء المستفحل وحاجته الماسة حتى لأبسط مقومات العيش الكريم. 

وكان الأجدر ان تستولد هذه الأزمات داخل كل مواطن لبناني إرادة التغيير وتفجر في نفسه ثورة على هذه الطبقة السياسية الفاسدة والمتسلطة على رقاب البلاد والعباد ويحاسبها من خلال صندوقة الاقتراع في هذا الاستحقاق الانتخابي باقصائها عن سدة الحكم والسعي لاستبدالها بوجوه شابة ومثقغة ونزيهة. 

إلا أن الرهان على التغيير يبدو ومع الأسف قد سقط أمام المحادل الحزبية والعائلية والأمنية التي افرزتها تحالفات قديمة ومستجدة.  فما ان بدأ العد العكسي للانتخابات البلدية حتى نسي اللبنانيون مأساتهم التي سببتها لهم قوى السلطة الحاكمة طوال سنوات امساكها بمفاصل البلد ومقاليد السلطة.

وبالتالى تناسوا كل ما عانوه ويعانونه من أكوام الزبالة وما سببته من أذى وأمراض والقمح الفاسد والسمسرات والفساد والمتاجرة بلقمة عيشهم وصحة أولادهم ومستقبل الاجيال القادمة فضلا عن التبعية السياسية العمياء وغياب القرار السياسي اللبناني المستقل، وراحوا يبحثون عن مصلحة آنية ضيقة وعمن يملأ جيوبهم ثمنا لكرامتهم متجاوزين التفكير بالمصلحة الوطنية العليا التي تحمي وجودهم وسيادة بلدهم واستقلال قرارهم من أية مخاطر قد تتهددهم. 

فاللبنانيون حتى اليوم لم يتعلموا ان صندوق الاقتراع هو لمحاسبة المسؤولين على أدائهم في الحكم وفي إدارة مصالح الناس، وليس لتجديد الولاء والمبايعة لمن باعوهم وباعوا الوطن بحفنة من الدولارات، وبالتالي فالانتخابات ليست للصفقات المشبوهة تحت الطاولة وفوقها وليست لتأمين وظيفة او مصلحة هنا او هناك. وعليه يصدق القول  كما تكونوا يولى عليكم .