لا يزال لبنان يقاوم. ثقافة الحياة ما زالت تقاوم ثقافة الموت التي يسعى «حزب الله» إلى جعلها تعمّ البلد بكلّ الوسائل المتاحة معتمدا على سلاحه غير الشرعي أولا.

يسأل احد نوّاب «حزب الله»: كيف دخلت أجهزة لها علاقة بالإنترنت إلى لبنان ومَنْ سمح بذلك؟ لماذا لا يسأل كيف دخل سلاحه غير الشرعي إلى البلد، ومَنْ سمح له بإدخاله من أجل أن يصبح اللبنانيون الشرفاء ومؤسسات الدولة ومرافقها تحت تهديد هذا السلاح؟

كانت زيارة الرئيس سعد الحريري لموسكو واللقاء الذي عقده مع الرئيس فلاديمير بوتين جزءا لا يتجزّأ من هذه المقاومة، ذلك أن إثبات وجود لبنان، أو ما بقي من الدولة، في الساحة الدولية فعل مقاومة قبل أي شيء آخر.

يدلّ اللقاء بين سعد الحريري والرئيس الروسي على أن لبنان ما زال موضع احترام لدى كثيرين في العالم. لبنان ما زال موجودا. ليس سهلا على بوتين أن يجد وقتا لاستقبال شخصية لا تشغل موقعا رسميا. لذلك يعدّ استقبال الرئيس بوتين لسعد الحريري تكريما للبنان. يُظهر هذا الاستقبال أنه لا يزال صعبا إلغاء البلد وتحويله إلى مجرّد تابع لإيران، على الرغم من تراكم الفضائح بكلّ أنواعها وأشكالها، بدءا بفضيحة الإنترنت والنفايات والدعارة والمتاجرة بالبشر والإهمال الذي يتعرّض له مطار رفيق الحريري... وصولا إلى الفضيحة الأكبر المتمثلة بمنع «حزب الله» اللبنانيين من أن يكون لديهم رئيس للجمهورية.

كان لا بدّ من البدء من مكان ما. هذا المكان هو إثبات وجود لبنان الذي هو وجود لبقايا مؤسسات الدولة التي يستطيع العالم التعاطي معها؛ لذلك، لم يكن صدفة التحاق نهاد المشنوق وزير الداخلية بالوفد المرافق لسعد الحريري في موسكو. 

زار نهاد المشنوق قبل ذلك لندن، حيث حصل على دعم بريطاني قوي للمؤسسة الأمنية. جاء الدعم البريطاني لقوى الأمن الداخلي، التي لا تزال بين المؤسسات القليلة للدولة التي تعكس وجود نواة لدولة في لبنان، دليلا على أن المجتمع الدولي لم يتخل نهائيا عن البلد. في آخر المطاف، يعدّ دعم قوى الأمن بمثابة فعل إيمان بلبنان المتعدّد والمتنوع وقدرته على النهوض يوما.

على الرغم من كلّ العراقيل التي يضعها «حزب الله» في وجه إعادة الحياة إلى الدولة اللبنانية وجعلها تحت سيطرة ايران، ما يزال في العالم من هو مستعد للتعامل مع لبنان في ظلّ ظروف صعبة وتعقيدات ذات طابع داخلي وإقليمي في آن. 

هناك تفهّم روسي لأهمية انتخاب رئيس للجمهورية ولخطورة استمرار الفراغ في لبنان. وهناك أيضا توجّه روسي محدّد بالنسبة إلى سوريا. يقوم هذا التوجه على السير بموجب خطة الطريق التي رسمها قرار مجلس الأمن وصولا إلى انتخابات رئاسية في أجواء حرّة تشرف عليها الأمم المتحدة. من المهمّ الاستفادة مما لدى موسكو تقوله عن تدخلها في سوريا، خصوصا في ظلّ التنسيق الأمريكي ـ الروسي في هذا المجال، وهو تنسيق لم يعد خافيا على أحد. 

لا يزال هناك من يعمل من أجل المحافظة على لبنان وحمايته. ليس سرّا أن روسيا لاعب أساسي في المنطقة، بل صارت اللاعب الأساسي في سوريا. لماذا عدم الاستفادة من الدعم الذي يمكن أن توفّره للبنان، خصوصا في مجال السعي إلى انتخاب رئيس للجمهورية؟ لماذا أيضا الامتناع عن معرفة ما لديها عن الوضع السوري، خصوصا أنها دخلت في مرحلة إعادة بناء الجيش في هذا البلد بعيدا إلى حدّ كبير عن التدخلات الإيرانية. هناك تنسيق روسي ـ إيراني في مجالات معيّنة. هذا واقع. لكنّ هناك اختلافا بين الجانبين في مجالات معيّنة، خصوصا أن روسيا مصرّة على اعتبار الجيش السوري «ابنا شرعيا لها«. وهذا ما يفسّر ذلك الإصرار على المحافظة على الجيش؛ تفاديا لتكرار التجربة العراقية في سوريا. إنها تجربة كانت ايران أول المستفيدين منها، إذ حلّت مليشياتها المذهبية مكان الجيش العراقي.

ليس كثيرا على لبنان أن يكون فيه من يعمل من أجل كسر طوق العزلة التي يحاول «حزب الله» المتورط في الحرب على الشعب السوري فرضها عليه. يقود سعد الحريري حملة تستهدف منع ايران من الاستفراد بلبنان. يعرف تماما ماذا يعني عزل لبنان عن محيطه العربي، أي محيطه الطبيعي وجعله ورقة تستخدمها ايران، الطامحة إلى علاقات متميّزة مع «الشيطان الأكبر» من عقد صفقات مع هذا «الشيطان».

كانت زيارة موسكو افضل دليل على أنه لا يمكن عزل لبنان وان الدويلة التي أقامها «حزب الله» لا يمكن أن تنتصر على الدولة اللبنانية. 

هذه الدولة اللبنانية ما زالت تقاوم، ولا يمكن أن تنطلي عليها بأي شكل الشعارات المزيّفة التي يطلقها «حزب الله» ومن خلفه ايران. فالحريص على لبنان لا يذهب إلى القتال في سوريا. والحريص على لبنان لا يضع سلاحه فوق سلاح الشرعية. والحريص على لبنان لا يعمل كلّ ما يمكنه إثارة الغرائز المذهبية.

الحريص على لبنان لا يجعل العرب يتفادون لبنان ولا يعتدي على مكاتب مؤسسة صحافية مثل «الشرق الأوسط» ولا يهاجم المملكة العربية السعودية وأهل الخليج العربي. 

الحريص على لبنان ينزل إلى مجلس النواب وينتخب رئيسا للجمهورية. كلّ ما عدا ذلك يدخل في سياق الحرب التي تشنّها ايران على الوطن الصغير، وعلى كلّ ما هو عربي فيه وفي المنطقة...

  خير الله خير الله