يشهد لبنان هذه الأيام إنهياراً عاماً على كافة مستوياته السياسية والاجتماعية والإعلامية والأخلاقية، ناهيك عن الانحطاط الديني الذي يشارف حافة الانهيار. فعلى المستوى السياسي ،وباختصار شديد، لم يشهد لبنان منذ قيام دولة لبنان الكبير عام ١٩٢٠ وحتى يومنا هذا انهياراً بهذا السوء، رئاسة الجمهورية شاغرة منذ حوالي عامين، ولا أمل بفرج قريب، مجلس نيابي مُمدّد له مرتين متتاليتين، وهو في حالة شلل تام. حكومة عاجزة تنخرها التناقضات والخلافات، وتعاني من أعطاب خطيرة، لعلّ أبرزها الفساد المستشري في إداراتها كافة، لم تسلم منها الأجهزة الأمنية والقضائية، فضلا عن الفلتان الأمني إلى أبعد حدود، أمّا السلاح غير الشرعي فيقف بإزاء الشرعي منافسا ومتحديا.

أمّا الانهيار الاجتماعي فيتلخص بتدهور الوضع الأسري، وتنامي حالات الاغتصاب والعنف الأسرى والاجتماعي، والتي غالبا ما تنتهي بالقتل، وتنامي تجارة المخدرات وتعاطيها، وآخر الفضائح انتشار شبكات الدعارة والاتجار بالبشر، ومحاولات بعض السياسيين افتعال مشكلات عنصرية بين المهجرين السوريين والفلسطينيين من جهة، واللبنانين من جهة ثانيه، مما قد يفاقم الأوضاع الاجتماعية اضطرابا وقلقاً. أمّا الانهيار الإعلامي وانحطاطه واسفافه، فحدّث ولا حرج، محطات تلفزيونية لا تترك مناسبة للشحن المذهبي والطائفي إلاّ وتستغله حتى أبعد مدى.

أمّا البرامج الحوارية ،فابطالها معروفون، ومعزوفاتهم مُكرّرة ومُملّة، فضلا عن ركاكتها وارتهانها للجهات المُمولّة ، أمّا البرامج الاجتماعية التي تقارب مشاكل الأفراد والمجتمع، فهي بمجملها رثّة وهابطة، ولولا حرية الفكر والنشر، لتجرّأنا بالدعوة إلى وقفها ،لفداحة الضرر الذي تلحقه بكافة الفئات الاجتماعية.

أمّا الانهيار الأخلاقي، فيظهر جليّاً بالتّغيُّر الخطير في سُلّم القيم، فالرشوة والاختلاس ، والتدليس والتزوير واستغلال النفوذ، أصبحت قيماً مقبولة بعد أن كانت مدانة ومنبوذة، أمّا الخروج على القانون واستباحة الأملاك العامة والأموال العامة، فهي من علامات الرجولة والبطش والقوة، وتدخل في فنون كسب العيش على ظهر الدولة وقوانينها وهيبتها. أمّا الانحطاط الديني، فهو همٌّ دائم، وانحرافاته خطرة جداً، لذا فإنّ مقارباته تحتاج إلى تأنٍّ وروية، ووقفة خاصة على حدة، في القريب العاجل، والله المستعانُ على ذلك.