قطع رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي الطريق علي أي مبادرات جديدة بشأن حكومة التكنوقراط التي ينوي تشكيلها، قائلا على لسان المتحدث الرسمي باسم مكتبه الإعلامي سعد الحديثي إن المبادرة الوحيدة هي المطروحة في البرلمان، مؤكدا عدم تبني أي مبادرة أخرى.

وجاء هذا الموقف بمثابة ردّ مباشر على تقديم زعيم المجلس الأعلى الإسلامي عمار الحكيم لما سماه “خارطة طريق من مسارين لتشكيل حكومة التكنوقراط لإخراج البلد من الوضع المأزوم.. والحفاظ على مرتكزات العملية السياسية”.

ويتضمن حديث الحكيم عن “المرتكزات”، تحذيرا لباقي الكتل السياسية، وخصوصا الشيعية منها، من ذهاب عملية الإصلاح بعيدا، لتشكّل تهديدا للنظام القائم على المحاصصة السياسية والعرقية والطائفية والذي تتولى مراكز القيادة فيه الأحزاب الدينية الموالية لإيران.

وأكّدت مصادر عراقية أنّ طهران لم تكن بعيدة عن مبادرة الحكيم في إطار حرصها على بقاء السلطة في العراق بيد حلفائها من قادة الأحزاب الشيعية، ومن بينهم من بدا فاقدا لأي حصّة في حكومة التكنوقراط الجديدة التي اقترح حيدر العبادي أسماء وزرائها الستة عشر، وليس من بينهم أي وزير من كتلة عمار الحكيم، بينما حضرت ستّة أسماء من المحسوبين على زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر الذي تتحدّث بعض الأوساط السياسية العراقية عن اهتزاز ثقة إيران به نظرا لتقلّب مواقفه، من جهة، واعتداده المبالغ فيه بمكانة عائلته في مجال التدين الشيعي ما يلغي الحاجة لمرجعية من خارج البلاد.

وسبق تقديمَ عمار الحكيم لمبادرته لقاءٌ جمعه في بغداد مع السفير الإيراني حسن دنائي الذي وصف المبادرة بـ”طوق نجاة للجميع للخروج من الأزمة السياسية في العراق”.

وعبّر مراقب سياسي عراقي عن عدم ثقته بقدرة العبادي على الخروج من عنق الزجاجة إلاّ في حالة واحدة وهي أن ترخي الأحزاب الدينية قبضتها الممسكة بعنقه. وهو ما لا يُحتمل حدوثه، بعد أن انفضت الاعتصامات الشعبية وما من شيء يوحي بالعودة إلى الاحتجاجات.

وقال في تصريح لـ”العرب” إنّ “إقرار قائمة الوزراء المستقلين التي قدمها العبادي إلى مجلس النواب وإن كانت تضم مقربين من تلك الأحزاب، قد يحدث شرخا في سيطرتها المباشرة على الوزارات، وهو ما يمكن أن يؤدي ولو جزئيا إلى تعطيل ماكنة الفساد أو كشف البعض من مفاصلها”.

ورأى أن المطلوب من العبادي أن يقدم أضعف ما لديه من عروض، كي يتم رفضها أو تأجيل النظر فيها والاستمرار في المناورة التي يُراد من خلالها زج أسماء جديدة، تكون الأحزاب واثقة من ولائها.

وقال إن الحكيم يسعى الى إفشال لعبة مقتدى الصدر ومنعه من السيطرة على ست وزارات في الحكومة المقبلة. وهو ما يدفعه إلى البحث عن تحالفات جديدة داخل مجلس النواب للحيلولة دون إقرار التغيير الوزاري من حيث المبدأ، لا من حيث التفاصيل فقط.

ووصف المشهد الجديد بقوله “ما قد يربحه مقتدى الصدر من التغيير الحكومي يشكل واحدة من أشدّ العقد”.

ولخّص الحراك السريع والكثيف لزعيم المجلس الأعلى الإسلامي عمار الحكيم منذ قدّم رئيس الوزراء حيدر العبادي قائمة الأسماء المقترحة لشغل المناصب الوزارية في حكومة التكنوقراط المرتقبة، حالة من الفزع اخترقت بعض الأوساط السياسية العراقية، وخصوصا التي لم تنل أي حصّة في الحكومة المقترحة، من سيطرة مقتدى الصدر على زمام العملية السياسية في العراق. وجاءت المبادرة التي أعلن الحكيم تقديمها محاولة لتدارك ما يمكن تداركه.

وقال مكتب عمار الحكيم، الاثنين، في بيان إن “رئيس المجلس الأعلى استقبل بمكتبه في بغداد رئيس مجلس النواب سليم الجبوري وعددا من قيادات اتحاد القوى”، مبينا أن “الجانبين بحثا الأوضاع السياسية وموضوع الإصلاح والتعديل الوزاري”.

وأضاف أن “الحكيم جدد دعوته لإصلاح شامل بحلول واقعية بعيدا عن الترقيع”، وأنّه “سلم الجبوري مبادرة الإصلاح الوطني لإنقاذ الوضع في البلاد”، لافتا إلى أن “المبادرة تضمنت خارطة طريق من مسارين لتشكيل حكومة التكنوقراط لإخراج البلد من الوضع المأزوم الذي وصل إليه وتجاوز الانسداد السياسي الحالي والحفاظ على مرتكزات العملية السياسية والتنسيق والتعاون بين القوى السياسية المختلفة”.

وأوضح المكتب أن “خارطة الطريق التي طرحها الحكيم تتضمن تحقيق الرغبة الجماهيرية والشعبية في إحداث تغييرات نوعية في الأداء الحكومي بكافة مفاصله وعلى مختلف مستويات المسؤولية فضلا عن الحفاظ على الشرعية الدستورية والنيابية للحكومة وتوفير الغطاءات المناسبة لها سياسيا كي تساعدها على اتخاذ خطوات كبيرة وجوهرية وبإسناد برلماني وسياسي كبير”.

وبيّن أنّ “المبادرة في مسارها الأول تتضمن التعامل مع الوضع الراهن بواقعية بترشيده وترصينه وعقلنته وترتيب الأولويات والاستمرار بتشكيل حكومة التكنوقراط وتمثيل المكونات الأساسية المشاركة في الحكومة من خلال منحها حقها بترشيح تكنوقراط إن كان مستقلا أو سياسيا للمواقع المحددة ضمن مواصفات وشروط يضعها رئيس الوزراء مع صلاحيته بالبت في المرشحين”.

ويعتبر عمّار الحكيم عمليا من أكبر الخاسرين في حال تم إقرار الحكومة المقترحة من حيدر العبادي، بعد أن كان تياره يتولى ثلاث حقائب في الحكومة الحالية إحداها وزارة النفط التي يمكن اعتبارها أهم الوزارات على الإطلاق.

ومنذ اندلاع الاحتجاجات الشعبية المطالبة بالإصلاح في العراق، لم تعد العملية السياسية والنظام القائم في العراق من الثوابت حيث لم تخل المظاهرات من المطالبة بإلغاء الحكم الديني والعودة إلى الدولة المدنية، ما يشكّل كارثة كبرى للأحزاب الشيعية الحاكمة ولإيران التي تؤمّن من خلالها نفوذا واسعا في العراق.

 

صحيفة العرب