الجواب يجد له صدى في المباحثات الاميركية الروسية حول سورية. فبعدما نجح الطرفان في اعادة اطلاق عجلة المفاوضات بين ممثلي النظام السوري والمعارضة في جنيف، ومع نجاحهما في تثبيت الهدنة بين الطرفين، بدأ الحديث عن مستقبل المفاوضات السورية، وكيفية رسم المرحلة الانتقالية بحكومة وحدة وطنية مع بقاء الرئيس الاسد، او حكومة انتقالية كاملة الصلاحية تمهد لخروج الاسد والانتقال الى مرحلة صوغ دستور جديد وحسم الخيار الذي سيجعل من سورية دولة فيدرالية او موحدة او غيرها من خيارات متداولة اليوم.
بحسب مصادر غربية متابعة عن قرب لملف الازمة السورية، إن شخص الرئيس الاسد لم يزل هو الاشكالية التي تمنع حتى الآن الدخول في مراحل التسوية السياسية العملية.
بداية تشير هذه المصادر الى ان ايّ حل للأزمة في سورية يمكن ان يطوي صفحة المواجهات العسكرية ويؤسس لاعادة اعمار سورية يتطلب بالضرورة وجوها تتمتع بثقة السوريين ولديها القابلية لاجتذاب الدعم الدولي والاقليمي لاعمار سورية. الدخول في الحل يتطلب انكفاء الاسد او خروجه، وبقاء الأسد هو المؤشر الى ان مرحلة الحل لم تبدأ.
وفي هذا السياق تلفت المصادر الى ان تمسك ايران وحزب الله ببقاء الأسد يشكل عائقا اساسيا. فروسيا التي حققت مكاسب سياسية في سورية من خلال تدخلها العسكري الجوي، زادت من نفوذها حين اعلنت وقف العمليات الجوية، تلك التي استهدفت مناطق المعارضة المعتدلة، بحيث اتاح لها ذلك قبولا نسبيا من قوى المعارضة ورعاتها الاقليميين، لا سيما ان توقيت وقف العمليات الجوية هذه جاء في توقيت غير ملائم للنظام وحلفائه الذين بدا انهم ملحقون بالموقف الروسي والتزموا بقرار الهدنة من دون ان تكون ايران او الاسد شركاء في اصدار هذا القرار، الذي جاء باعلان اميركي -روسي وبغطاء دولي عبر مجلس الأمن.
الموقف الروسي اكتسب قوته ايضا من انقياد القوات الايرانية وميليشياتها لقراراته، وتنفيذهم مع الجيش السوري العمليات البرية التي اتاحت تقدمها وتراجع المعارضة. روسيا وجهت اكثر من رسالة سياسية ودبلوماسية للاسد مفادها انها تريد تسوية سياسية، لكنها في المقابل تدرك ان تقدم روسيا في المعادلة السورية استند الى القوة الايرانية. لذا فإن روسيا تتفهم هذه الحقيقة وتتعامل معها بدقة لا تذهب الى حدّ المغامرة بتحالفاتها. على ان الاشارات الروسية المتزايدة اخيرا عن عدم تمسكها بالاسد، لا سيما خلال اللقاءات الاخيرة التي جمعت قادة مخابرات وروسيا واميركا او وزيري خارجية البلدين قبل ايام في موسكو، تسرب منها بحثهم في احتمالات خروج الاسد من المعادلة السورية وانتقاله الى بلد ثالث.
في المعلومات ان هذه الاشارات اثارت انزعاجا ايرانيا، ليس بسبب موقف روسيا، بل لاسباب تتصل بتفاهمات اميركية - ايرانية سابقة على التعاون الروسي - الايراني في سورية. فحوى هذه التفاهمات، بحسب المصادر الدبلوماسية الغربية، ان ايقاع التعاون الاميركي - الايراني في العراق يسير بشكل متواز مع مسار التعاون في سورية. فإيران تريد ضمان مصالحها في سورية، مقابل التعاون مع واشنطن في العراق. والاشارات الاميركية – الروسية تجاه الاسد دفعت ايران الى استنفار حلفائها في العراق، ووجهت من خلالهم رسائل الى واشنطن، بانها يمكن ان تطيح الحكومة العراقية الحالية ورئيسها حيدر العبادي وتبني صيغة جديدة لحكومة عراقية اكثر ولاء لايران ويرأسها احد ادوات ايران المباشرة. مع الاشارة الى ان حكومة العبادي كانت حصيلة تقاطع اميركي ايراني غداة تمدد تنظيم داعش في الموصل وسيطرته على اكثر من نصف الاراضي العراقية.
أزمة ايران السورية تكمن في ان رصيدها العسكري والسياسي والاجتماعي معلق في الدرجة الاولى في شخص الرئيس الاسد. وفيما تراقب ايران بقلق التقاطعات الروسية مع السعودية ودول الخليج، تدرك ان هذه التقاطعات تتم على حساب نفوذها السوري. ولما كانت ايران حصرت استثماراتها السورية بشخص الاسد، وكسبت عداء واسع من البيئة السنية في هذا البلد، ولم تنجح في اجتذاب ثقة العلويين، فإن الضمانة الوحيدة لديها لتعويض خسائرها ستبقى في شخص الاسد وفي ميليشياتها المتواجدة على الارض السورية. فإيران تريد تعويض فقدانها البيئة الاجتماعية الحاضنة لدورها في سورية، بمزيد من فرض شروطها على الطرفين الروسي والاميركي، ومقايضتهما سواء في الملف العراقي مع الاميركيين، او في اوراق عسكرية ميدانية يحتاجها الروس.
الاوساط الدبلوماسية الغربية تعتبر ان من المفيد للسوريين عدم البدء بالاسد، بل بدء الحوار والتفاهم من نقاط اسهل. فالاسد عنوان الازمة لكن الدخول في الحل يتطلب وجوده، مع ادراك الجميع ان بقاءه على رأس السلطة لا يمكن ان يستمر الا في حالة واحدة هي استمرار الحرب، واي تسوية سورية تعني خروجه من السلطة.