اعتادت القوى السياسية العراقية على حلول اللحظات الأخيرة للخروج من الأزمات السياسية على مدى السنوات المنصرمة، حيث تبدو سياسة حافة الهاوية طاغية على ما عداها من تحركات في المشهد العراقي الحافل بالخلافات بين الأفرقاء، مع انتهاء المهلة النيابية المقدمة لرئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بعرض تشكيلته الوزارية على البرلمان اليوم قبل المضي بإجراءات الاستجواب والتوجه لسحب الثقة عنه.

ووضع البرلمان العراقي العبادي في وضع حرج عندما حدد له خيارين لا ثالث لهما لتقديم تعديله الوزاري، خصوصاً أنه وهو يحمل بجعبته لائحة بالوزراء الجدد، شعر بورطته في التعامل مع الكتل الرئيسة، وتقلص الخيارات أمامه بين اللجوء لوزراء المحاصصة أو التكنوقراط، وهي خيارات لا تجد بالأساس صدى كبيراً لدى شركائه الآخرين، ومنهم رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البارزاني الذي نعى الشراكة مع بغداد في مؤشر واضح على عمق الأزمة التي يمر بها رئيس الوزراء الذي كان حتى وقت قريب يجد دعماً مفتوحاً من السنة والأكراد وقطاع واسع من الشيعة قبل أن يسقط في اختبار الإصلاح الجذري الذي لم يطبقه.

وأصرت الكتل السياسية في سياق المناكفة السياسية مع العبادي، على أن يتم ترشيح الوزراء من قبلها باعتبار أن النظام البرلماني هو نظام كتل انتخابية يعطيها الحق بالمشاركة في تشكيل الحكومة بحسب النسب، بينما يطالب البعض وخصوصاً التيار الصدري بزعامة السيد مقتدى الصدر باختيار الوزراء خارج المحاصصة ما يتيح المجال لاختيار تشكيلة وزارية على أسس جديدة.

وكشف مصدر سياسي مطلع عن أن العبادي «سيقدم اليوم التعديل الوزاري الى مجلس النواب كما وعد في الأسبوع الماضي، وهو مصمم على المضي بالتغيير الوزاري والإصلاحات الشاملة كما أوضح في بيانه« أول من أمس.

وقال المصدر إن «هناك من يقف في وجه التغيير ويعلن في الإعلام عكس ذلك»، لافتاً الى أن «العبادي سيقدم تغييره الوزاري غداً (اليوم) الخميس، وعلى البرلمان أن يحسم أمره في المضي بالإصلاحات ومنها التغيير الوزاري«.

وكشف المتحدث باسم مكتب رئيس الوزراء العراقي سعد الحديثي عن مشاورات مكثفة يجريها العبادي لبيان موقف الكتل السياسية من المبدأ الذي أعدت وفقه قائمة التغييرات الوزارية المرتقبة.

وقال الحديثي «إن العبادي لديه قائمة جاهزة بالتعديلات الوزارية ويستطيع تقديمها في أي وقت، لكنه ينتظر ما ستنتج عنه المحادثات وموقف الكتل السياسية«، مشيراً الى أن «معظم الكتل السياسية متمسكة بترشيح وزرائها، فيما أعدت لجنة الخبراء قائمة بأسماء وزراء تكنوقراط بعيداً عن ذلك«.

وأشار الحديثي إلى أن «لجنة الخبراء في رئاسة الوزراء ستقدم لرئيس الوزراء مرشحين اثنين لكل حقيبة وزارية، وهو من يقرر في النهاية»، مبيناً أن «التغيير الوزاري سيطال عدداً كبيراً من الوزراء الحاليين، وسيعلن رئيس الوزراء ذلك في البرلمان، وسيكون تغييراً للتكنوقراط وليس للمحاصصة«.

وتنتهي اليوم مهلة مجلس النواب للعبادي لإعلان تشكيلته الحكومية الجديدة كحد أقصى في وقت تعصف الخلافات بالقوى السياسية التي تتهمه باختيار الوزراء الجدد بدون استشارتها وبتهميش الأحزاب الدينية.

ورمى البرلمان العراقي الكرة في ملعب العبادي الذي أراد إحراج البرلمان بشأن آلية التعديل الوزاري عندما قلص الخيارات أمامه الى خيارين لا ثالث لهما لتقديم الكابينة الحكومية في جلسة البرلمان اليوم.

وقال رئيس البرلمان العراقي سليم الجبوري في مؤتمر صحافي أمس إن «مجلس النواب يؤكد عزمه على إنجاز حزمة التشريعات القانونية المهمة التي تتناسب مع الإصلاحات الجذرية ومنها قانوناً العفو العام والمحكمة الاتحادية، ويرى أن أمام العبادي خيارين لا ثالث لهما، إما أن يقدم المواصفات المطلوبة للتشكيلة الوزارية التي يراها مناسبة للنجاح ومعالجة الأزمات وإما تشكيل حكومة تكنوقراط شاملة«.

وشدد الجبوري على أن «مجلس النواب يقف الى جانب المعتصمين وتبني مطالبهم التي تمثل حقوقاً مشروعة كفلها الدستور وواجب التلبية من الحكومة«، مشيراً الى ضرورة أن «يكون التغيير الوزاري جزءاً من عملية الإصلاح الشامل، وليس إجراء إعلامياً«.

وفي إطار الضغوط النيابية على العبادي، دعا عدد من النواب العراقيين رئيس الحكومة الى تقديم استقالته بعد استكمال التعديل الثاني والأخير من الكابينة الوزارية، ومصارحة الشعب بعدم استطاعته تلبية الاحتياجات بسبب تراكمات الفساد والحرب على تنظيم داعش بحسب ماقاله النائب أحمد الجربا في مؤتمر صحافي عقد في البرلمان العراقي أمس.

ويبدو أن أكراد العراق غير عابئين بتحركات العبادي لتأليف حكومة جديدة بعدما وصلت العلاقة بين بغداد وأربيل الى مفترق طرق إثر تراكم الأزمات السياسية والاقتصادية التي أدت الى إعلان إقليم كردستان موت الشراكة بين الطرفين.

وفي هذا الصدد، قال المتحدث الرسمي لرئاسة إقليم كردستان في بيان أمس رداً على المقترحات المتعلقة بالتعديلات الوزارية في الحكومة الاتحادية وموقف رئيس إقليم كردستان مسعود البرزاني منها، إن «التعديلات المقترحة في تشكيلة الحكومة الاتحادية لم تعد لها أي أهمية تُذكر لدى البارزاني، لأن مبدأ الشراكة في الحكومة لم يعد له أي وجود أو معنى«.

وأكد «أنه خلال الاتصال الهاتفي الأخير بين البارزاني والعبادي قبل أيام، لم يتطرق الجانبان خلاله للمقترحات المقدمة بشأن التعديلات الوزارية، ولكن رئيس الجمهورية فؤاد معصوم أجرى اتصالاً هاتفياً مع البارزاني الاثنين الماضي، حيث أبدي الأخير اعتراضه وعدم رضاه لانعدام مبدأ الشراكة في الحكومة العراقية«.

وفي الإطار نفسه، أكد رئيس كتلة التغيير الكردية في البرلمان العراقي هوشيار عبد الله أن «قيام العبادي بتغيير الوزراء الكرد سيدفع جميع الكتل الكردية للانسحاب من العملية السياسية في العراق«.

وفي سياق الحرب على «داعش»، قال جنرال أميركي إن الرئيس باراك أوباما سيدرس في «الأسابيع المقبلة» إمكانية زيادة عدد القوات الأميركية في العراق. 

وأبلغ الجنرال جوزيف دانفورد رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة الصحافيين أن العسكريين الإضافيين سيشاركون في تعزيز إمكانات القوات العراقية التي تستعد لهجوم كبير على تنظيم «داعش» في الموصل. وقال إن مسؤولين عسكريين أميركيين وعراقيين يعكفون على دراسة خطة لاستعادة الموصل التي سقطت في قبضة التنظيم في حزيران 2014 وشكل المساعدة التي يمكن أن تقدمها القوات الأميركية، حسب «رويترز».