يبدأ اليوم مؤتمر التعددية والعيش معاً – تجارب وتحديات – بدعوة من المركز العربي للحوار ايماناً منه بضرورة المحافظة على نسيج بشري شاءت له الظروف التاريخية وطبيعة الصراعات السلطوية أن تؤسس له هويات  دينية واتنية وقومية ومذهبية صدّعت من جدار الوحدة الانسانية ودفعته من قبيلة الى أخرى وفق منطق القوّة والارادات الساعية الى الاستغلال تبعاً لظروف واحتياجات كل مرحلة من مراحل الصراع البشري .

حديثاً ورثنا في لبنان كياناً تمثيلياً لمجموعات بشرية منتسبة الى هويات طائفية وفق غلبة مارونية مهلّ لها الاستعمار الفرنسي من جهة والظروف الموضوعية من جهة ثانية لطائفة قادرة ومقتدرة في الأمور كافة في ظلّ طوائف نصف أميّة ونصف جاهلة بحسابات المنتدب أو المستعمر فكانت تسلك الطرق الخاطئة تبعاً لمشيئات منسجمة مع سمات الهوية المذهبية أو الدينية ورغبة لمصالح اقطاعية صرفة تماماً كما هي عليه اليوم من مواقف بعيدة عن الرؤية المستقبلية لمنطقة تحتاج الى مبصرين في السياسة الى عميان يقودون الشعب الى آجالهم جماعات جماعات .

خسر لبنان في الحرب تعددية التعايش فيه وتبيّن استحالة المحافظة عليها اذ ما استمر النظام الطائفي متحكم بالدولة لصالح الأقلية في التعددية واستحالة استعادة الدور الممنوح لها رغبة منها في اسقاط عناصر قيام الدولة اللاطائفية وتبدو المخاضات العسيرة لكيان لم يرتق الى مستوى دولة دلّ بشكل واضح على مشكلة الأقليات في التعايش كنخب سلطوية لذا لم تفلح المارونية السياسية في تحويل المكتسب الطائفي الى رأسمال سياسي وطني في حين أن السُنيّة السياسية لم تفلح أيضاً في حماية الأقلية ضمن مشروعات مواطنية غير منقوصة والأمر تكرر مع الشيعية السياسية التي ألغت الكيان وأنهت مشروع الدولة لصالح طائفة تتسع لزبائن سياسيين يحضرون السوق ولكن لا قدرة لهم لا على البيع من جهة وعلى الشراء من جهة ثانية .

لهذا بات الطائف الطائفي مجرد صيغة ضرورة كما وصفها المرحوم الامام الشيخ محمّد مهدي شمس الدين مخافة الوقوع في فخ طائف آخر يجترح مشكلة أعمق من مشاكل الطوائف في الطائف ويعيد ترتيب أوراق الأقليات وفق سقوف أدنى من السقف الحالي أيّ أن الطائف الذي آخذ من الأقلية المارونية الكثير من مكتسباتها السلطوية سوف يأخذ من الشيعية السياسية مكتسباتها السلطوية إن من خلال تأثيراتها المباشرة على المؤسسات العامة أو من خلال سحب فائض القوّة من بين يديها لتحسين شروط تسوية طائفية أخرى .

قبل داعش لم تكن التعددية في العالم العربي مصانة لا من قبل الأكثرية ولا من قبل أرباب الأقليات فسقوط تجربة التعددية في لبنان متقدم على خروج داعش بسيفه كما أن تهميش الأقليات في العالم العربي في الصُعد كافة قديم قدم وجودهم داخل خيمة الخلافة الاسلامية ويبدو أن الحروب الدائرة الآن وخاصة في سورية والعراق من شأنها أن تقضي تماماً على الأقليات وتستبعد فرص النهوض بتعددية لمكونات طائفية او مذهبية بعد أن أخذت الحروب أبعاد الصراع المذهبي وبات من المستحيل الموضوعي امكانية التعايش بين مذهبين أدميّ بعضهما البعض بذبح شرعي وحلال . أمام المؤتمر مهمّة صعبة لإدراك ما تهدمه آلات القتل في المنطقة الاّ أنه تعبير عن صحوة لقوى لم تألف الخنوع أو الخشوع والخضوع لتجار حروب المذاهب وهي تدرك مغبة الوقوف بوجه عواصف الطوائف في لبنان في لحظة تعلو فيها أمواج الغلو والتطرف الطائفي وبطريقة قاتلة لكل من تسوّل له نفسه الوقوف أمامها اعتراضاً على وحشيتها في التعاطي مع الآخر المختلف مع مخاوفها الحقيقية أو المصطنعة .

ثمّة إلحاح كبير على التأسيس ومن ثمّ المراكمة لأنشطة وورش عمل خارج المألوف السائد من دعوات لعصبية صغيرة كانت أو كبيرة حتى ندفع بالتي هي أحسن وصولاً لبناء الدولة المدنية التي يتساوى فيها المواطنون في الحقوق والواجبات.