من الأنباء السارة هذه الأيام، وهي نادرة، أنّ منظمة العمل الشيوعي، وهي من فصائل الحركة الوطنية التي عرفها لبنان في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، ولعبت دورا هاما في أحداث لبنان قبل اجتياح عام ١٩٨٢ وبعده بسنين قليلة، قد باشرت،أي المنظمة إعادة تجميع صفوفها ومناضليها، وعادت مطبوعتها "بيروت المساء" لتقوم بواجبها.

وهذا يفتح ربما ملف الحركة الوطنية بقواها المختلفة، فهذه القوى كانت قد ساهمت وبفعالية مع المقاومة الفلسطينية قبل اجتياح٨٢ الذي أدّى إلى إخراج منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان، وما لبثت قوى الحركة الوطنية أن انخرطت جديا وفعليا في الطور الأول من أطوار المقاومة الوطنية للاحتلال الإسرائيلي عام ١٩٨٢ ،وحتى إنجاز الإنسحاب الإسرائيلي الواسع تحت ضغط المقاومة من بيروت والجبل وجزء كبير من الجنوب والبقاع، لتبدأ بعد ذلك مرحلة حصارها وتهميشها ودفعها إلى دائرة الإلغاء التام.

صحيح أنّ قوى الحركة الوطنية استعجلت الاستقالة من دورها بإعلان رئيسها حينذاك وليد جنبلاط في خريف العام ٨٢ بأنّ الحركة انتهت وهو رئيسها ويعلن ذلك، إلاّ أنّ حملة التدجين والتهميش والاستيعاب التي قام بها النظام السوري كانت أدهى وأمرّ، فبعد عمليات الاغتيال المتواصلة لقادتها ومناضليها، من كمال جنبلاط حتى جورج حاوي، فقد عمد هذا النظام إلى شقّ صفوف الأحزاب الوطنية، والتلاعب بقياداتها، وإلحاق بعضها بركبه طوعا أو كرها، بدءاً بحزب البعث مرورا بالحزب القومي السوري الاجتماعي.وإذ انكفأت منظمة العمل الشيوعي تحت ضغط الوجود السوري وخروج المقاومة الفلسطينية من لبنان، بدأ الوهن والتفكّك يصيب أوصال الحزب الشيوعي، حتى بدا اليوم ملتحقا بال مقاومة الإسلامية. أمّا الحزب القومي فقد أُصيب بأعطاب خطيرة نتيجة الالتحاق القسري بمشاريع النظام السوري في لبنان ،أثناء وجوده وبعده.

ما يهمّنا اليوم، أو بمناسبة هذا القول الذي ليس بجديد ولا طارئ، فقد بات مُلحّاً على قوى الحركة الوطنية التي تبعثرت وتهمّشت، أن تعود إلى رُشدها، وإلى ساحة نضالها، ولا يتُمّ ذلك إلاّ بعودة نقدية لتاريخها قبل الاجتياح الإسرائيلي وبعده، بهدف بلورة تيار سياسي فاعل، وليس ضروريا أن يكون معاديا لقوى الأمر الواقع التي تمسك بتلابيب السلطة اليوم، لتجنّب الدخول في معارك جانبية، لا بل إنّ المهم اليوم رعاية إنتاج فلسفة سياسية ليبرالية، يمكن لها أن تُفسح مكاناً لقوى إسلامية، لا تعتنق الأفكار المغلقة والظلامية والاسطورية المتلفّعة بالدين أو المذهب، أو بأي شأن من شؤون التقديس لإمام أو زعيم، حركة وطنية تحمل هموم الناس وتطلّعاتهم، وتمنحهم الأمل بخلاص قريب من حمأة التفكّك والفوضى الشاملة، التي أورثنا إياها النظام السوري، والارتهان الخطير للنزاعات الإقليمية، ذات الأبعاد الدولية،لعلّ وعسى تعود حركة وطنية دبّت فيها الروح، لإعادة بناء وطن لأبنائه حرّا عزيزا كريما.