لم يمض أكثر من ثلاثة اشهر على التفجيرات التي ضربت العاصمة الفرنسية باريس حتى أقدمت عناصر تنتمي إلى جماعات ارهابية على ارتكاب تفجيرات مماثلة في العاصمة البلجيكية بروكسل منذ أيام قليلة في مكانين منفصلين أحدهما في المطار والآخر في مترو الأنفاق. فضلا عن أعمال التفجير التي تضرب بعض المدن والعواصم العربية وخصوصا تلك التي تشهد حروبا داخلية مثل ليبيا واليمن والعراق وسوريا حتى لبنان ناله نصيبا من هذه التفجيرات. ومع اتساع المساحة الجغرافية التي تقع ضمن دائرة الاستهداف الإرهابي إلا أن ما يجمعها هو ان من يتبنى هذه الاعمال الإجرامية هو تنظيم داعش.

حتى بدا وكأنه يقف بمواجهة العالم كله ويعلن حربا شعواء على المجتمع الدولي بكافة انظمته وشعوبه واديانه وقومياته ويحقق نجاحا واضحا في اختراق الأجهزة الأمنية للعديد من الدول مما يتيح له النفاد من أجهزة المراقبة والمضي في ارتكاب عملياته الإجرامية التي غالبا ما تطال مرافق عامة تعج بالمدنيين ليتسنى له بذلك حصد العدد الأكبر من القتلى والجرحى من هؤلاء الأبرياء.

كل ذلك والعالم يقف عاجزا عن مكافحة هذه الظاهرة الإرهابية وكأن تنظيم داعش هبط على الأرض من كوكب آخر ويمتلك من الوسائل والإمكانيات ما يجعله عصيا على القفزة النوعية فى عالم التطور التكنولوجي التي يمتلكها العالم اليوم وخاصة في مجال الإتصالات والمراقبة التي تتيح لأجهزة الدول الكبرى ان تراقب دبيب النملة في إي بقعة من بقاع العالم. فالعالم نسي او يتناسى ان تنظيم داعش هو أحد إفرازات القاعدة التي تشكل أحد مظاهر الأصولية المتشددة بل تعتبر ذروة هذه الأصولية في التكفير والتشدد والتي تم تأسيسها بناءا على شراكة أميركية - سعودية - باكستانية هدفها القضاء على الشيوعية وتدمير الاتحاد السوفياتي.

فكان الإعلان عن الجهاد ضد الإلحاد الشيوعي قرارا سياسيا تولت القيام به وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية لشحن المتطوعين المسلمين من مختلف أنحاء العالم بالعداء للمنظومة الشيوعية. فسقط الاتحاد السوفياتي على أبواب أفغانستان. ظن يومها الجهاديون أنهم شركاء دائمون للولايات المتحدة الأميركية ولم يدركوا إلا لاحقا أنهم لم يكونوا أكثر من أداة استخدمهم الأميركيون لتدمير عدوهم الاتحاد السوفياتي وتفكيكه. فسرعان ما تحول هؤلاء الجهاديون المتطوعون إلى أعداء للولايات المتحدة الأميركية بعدما استغنت عن خدماتهم فتحولوا إلى إرهاب مبرمج وممنهج ووضعوا في أولوية أهدافهم ضرب المصالح الغربية وخصوصا الأميركية. وبعد احداث الحادي عشر من أيلول التي قامت بتنفيذها عناصر تنتمي إلى القاعدة جاء قرار الرئيس الأميركي جورج بوش الابن بغزو العراق تحت ذريعة ضرب أسلحة الدمار الشامل. لكن بوش عبر يومها صراحة عن قناعاته مبررا ضرب العراق عندما قال أن الهدف من غزو العراق هو استدعاء الإرهابيين إلى حرب العراق كي لا يحاربهم في المدن الأميركية فكان له ما أراد وتمكن من استجلاب الإرهابيين وقام بتفكيك الجيش العراقي.

وبذلك ساهم في صنع داعش التي ترعب اوروبا وغيرها من دول العالم العربي والغربي. وفي ظل الإدارة الأميركية الحالية فإن الرئيس الأميركي باراك أوباما أعتمد سياسة النأي بالنفس حيال الأزمة السورية مما افسح المجال لروسيا لاعتماد سياسة التعطيل في مجلس الأمن لأي قرار يدعو لرحيل الأسد الذي وجد في التعطيل الروسي مناسبة لتمكين الجماعات الإرهابية من النمو.

ليوحي بأن الأزمة في سوريا هي حرب النظام على الإرهاب معتبرا أن كافة فصائل المعارضة السورية هي جماعات ارهابية ويجب على العالم أن يحاربها. في ظل هذا الواقع السوري نمت داعش وقويت شوكتها لدرجة أنها تسيطر على نصف الأراضي السورية وعلى الكثير من آبار النفط التي تستخدم مردودها منه لتمويل عملياتها التفجيرية.

وكذلك فإن المسؤولية العربية لا تقل عن المسؤولية الأميركية. فهذه الجماعات تغذت بأفكار مدارس إسلامية في بعض الدول العربية إذ ان قادة هذه الجماعات تخرجوا من تلك المدارس التي تحمل الفكر التكفيري. واليوم وبعد انتشار هذه الظاهرة الإرهابية في أربع رياح الأرض فإن القضاء عليها ليس بالأمر السهل ولكنه ليس بالمستحيل.

فكما ان إنشاؤها تم بقرار سياسي وتسهيل من أجهزة استخباراتية كذلك فإن محاربتها والقضاء عليها لا بد له من قرار سياسي دولي كبير وتعاون مخابراتي بين كافة الدول المتضررة من هذه الظاهرة الإرهابية الخطيرة.

لكن يبدو حتى اللحظة أن هناك دولا ما زالت مستفيدة من إرهاب داعش فتتريث كثيرا قبل الإقدام على إتخاذ قرار المشاركة بمحاربة هذا التنظيم الارهابي ان لم نقل أنها لا زالت تساهم في نموه وتغذيته...