ربما يبقى لبنان بلا رئيس للجمهورية لسنة وسنتين واكثر، وربما ستستمر الأزمة السورية الى اكثر واكثر. ويمكن لحزب الله، الذي فيما يظن انه يزداد تمددا في اصقاع العالم العربي دفاعا عن قضايا الامم والشعوب، ويستمر في الترويج لمقولة تحرير العالم من التكفيريين... سيظل عاجزاً عن ان يحرر لبنان من التعطيل، أو ان يقدم نموذجا لما يمكن ان تكون عليه الدول الطبيعية. وهو يشيع أنه هزم اسرائيل وبات يهدد وجودها ونجح في حماية نظام الاسد، والى غير ذلك من "انجازات الهية"، سيبقى عاجزا عن أن يكون حزبا سياسيا في دولة لبنان.
اللبنانيون لا يضغطون عليه. قصارى ما يقوله مخالفوه، أن "عد الى كنف الدولة وتعالَ لنتشارك واياك في بنائها وحمايتها، لنا ما لك ولك ما لنا". وهذه النصيحة لا يريد حزب الله ان ينصت لها، فضلا عن انه ليس على استعداد للعمل بها. فقتاله داخل سورية لم يعد يواجه مناشدات العودة الى لبنان، وهذا لا يجب ان يكون مصدر طمأنينة له، بل هو يعلم ان تراجع هذه المناشدات ينطوي على وجه غير ودود، ان لم نقل إنه يعكس نظرة معادية له في الجغرافية اللبنانية.
يمكن القول إن حزب الله سلمت له كل القوى في البلد، على رأسها قوى 14 آذار، بأن يكون رئيس الجمهورية من حلفائه، بل من احد مرشحيه. ويعلم الجميع في لبنان وخارجه، ان القوى الامنية والعسكرية الرسمية هي في موقع الحليف له ان لم نقل اكثر. واذا كان من هامش تتحرك فيه هذه القوى فهو تلبية لمصالح حزب الله الذي يعتبر ان هذه القوى، كي تظل مفيدة له، لا بد من هامش لها، والا تحولت الى قوى غير مفيدة، او أقل فائدة له مما هي عليه اليوم.
وليس بعيدا: حتى مجلس الوزراء لا يخرج عن ارادة حزب الله. هذا ما اظهرته كل المواقف اللبنانية الرسمية تجاه الاجراءات العقابية ضد لبنان. اذ يمكن مقارنة الموقف الرسمي اللبناني بالموقف الايراني الرسمي من دول الخليج، وحينها كنا سنجد ان الموقف اللبناني لم يتقدم على الموقف الرسمي الايراني، بل بقي دون الموقف الرسمي الايراني الذي ادان الاعتداء على الممثليات السعودية في ايران. كما يمكن اضافة أنّ حزب الله يستطيع إخراج ميشال سماحة من السجن من دون ان يستطيع شركاؤه في الحكم فعل ايّ شيء غير التسليم بقضائه.
ولكن رغم كل هذا التمدد والنفوذ والسطوة، فهو لا يشعر بالأمان ولا الطمأنينة. فكل هذه القوة العسكرية والسطوة السياسية، تزيد من قلق حاضنته، وتزيد من العزلة والانكفاء، وتفرض عليه المزيد من اجراءات الحماية، واعادة رسم المربعات في قاعدته الاساس بالضاحية الجنوبية. وتراه يستخدم آخر تقنيات الحماية الاميركية والغربية التي تجعله وحاضنته في حال من الشعور الدائم بطلب مزيد من الحماية. ذلك أن مقولة: "سنذهب اليهم قبل ان يأتوا الينا"، تبدو بلا نهاية ولم توفر الطمأنينة، ولا تعد الا بمزيد من التوتر والقلق والاستنزاف، بل الضياع.
فن كسب الأعداء حرفة وفنّ اتقنهما حزب الله. وهذا ما تظهره الوقائع على الأرض. الأعداء من حوله ومن كل الجهات. واحد يعلن العداء وآخر يسمي نفسه حليفا ويتربص لينقضّ في اللحظة المناسبة على من اضطر ان يكون حليفه. لا تكفي مقولة "إنهم يكرهوننا"، لتبرر حجم المعادين لحزب الله، وكثرتهم، لا سيما أنّ ايران نفسها وجدت طريقة ما لتفتح بابا من ابواب السلام مع الشيطان الأكبر، وهي نفسها لا تجد غضاضة في وقف التصريحات الداعية الى ازالة اسرائيل من الوجود. وهي التي يتفادى مسؤولوها، في الحرس الثوري او في رأس الهرم، شتم العائلات الحاكمة في دول الخليج وغيرها من دول العالم.
حزب الله قادر ان يأتي بمن يشاء رئيسا للجمهورية، لكنه مربك. طأطأ له الجميع وقالوا له: "تفضل". لأنه لم يضع في باله يوما ان يكون حزبا في دولة كما بقية الدول، ولا ان يضع في حسابه يوما ان يتحمل مسؤولية تطبيق خطة تنموية واقتصادية ومالية، تظهر فيها كفاءاته في بناء الدول. ولم يعدّ العدة ليوم يكون فيه شريكا ومنافسا ديمقراطيا لاحزاب وقوى، ولا أن يتحمل مسؤولية الحكم. فقط اعتاد على ان يكون له الغنم وعلى سواه الغرم.
ليس صحيحا ان حزب الله يتعفف عن المواقع الرسمية والرئاسات، بل الصحيح ان لديه شهية الى السلطة اكثر من غيره. لكن السلطة التي تتيح له اخذ مكاسبها دون ان يتحمل اعباءها. حزب الله مربك لأنه وصل الى مرحلة حيث لم يعد من الممكن الفصل بين السلطة والمسؤولية. هذا ما يفرضه عليه اليوم خيار سليمان فرنجية أو ميشال عون.