تؤكد تفجيرات بروكسل اول من امس، والتي اتت بعد ثلاثة اشهر على تفجيرات مماثلة في باريس، وبعد ازمة النزوح السوري الواسع التي اربكت اوروبا، ان التفرغ للقضاء الفعلي على الارهاب متمثلا بـ»داعش» واخواته، يتطلب اولاً اطفاء حرائق الشرق الاوسط خصوصا في سوريا عبر وضعها على سكة الحل السياسي بتوافق اميركي-روسي، خلافا لما يتمسك به بشار الاسد من ان البحث بالأمور السياسية لن يتم إلا بعد القضاء على «الإرهاب» والذي يعني بنظره كل معارض لسيطرته.

فقد تزامنت التفجيرات، التي ضربت العاصمة البلجيكية رغم ما هو معروف عنها من تساهل تجاه مختلف الاديان والاعراق، مع ما يلوح من تقدم على طريق الحلول السلمية سواء في سوريا او اليمن. فبالنسبة الى سوريا تشكل التفجيرات خدمة لنظام الاسد الذي يسعى جاهدا لعرقلة مفاوضات «جنيف 3» وفق مقولة نجح في تسويقها عالميا قبل فترة، وتقضي بأولوية القضاء على «الإرهاب« قبل الانتقال السياسي. لكن التفجيرات في عواصم أوروبية، وفق ديبلوماسي عربي، اظهرت ان التفرغ الحقيقي لمحاربة الارهاب يتطلب اولا التخلص من نظام الاسد، الذي تدعمه إيران دعماً غير محدود، مذكرا بدوره في نشوء تنظيم «داعش« وتفريخه، وفي التلكؤ مثلا قبل اشهر معدودة عن ضرب قافلة للتنظيم تضم عشرات الآليات كانت متوجهة الى تدمر في صحراء مكشوفة وكأن براميله المتفجرة مخصصة حصرا للمدنيين، اضافة الى استغلال «داعش» مجازر الاسد، المدعوم كليا من إيران، في تغذية بيئة حاضنة. كما يذكر المصدر نفسه بأن للارهاب المسلم وجها سنيا وآخر شيعيا، لذا فإن القضاء عليه يتطلب حكما التعامل مع الاثنين بطريقة واحدة.

كذلك يؤكد المبعوث الدولي لسوريا ستيفان دي ميستورا مقولة الديبلوماسي العربي، وذلك في معرض تعليقه على التفجيرات التي حصدت اكثر من 30 قتيلا في عاصمة تضم مقر الاتحاد الاوروبي وحلف شمال الاطلسي، عندما يعلن ان «تفجيرات بروكسل دافع اضافي لضرورة اطلاق الانتقال السياسي» وفق ما نصت عليه الوثائق الاساسية للتسوية التي تبنتها الامم المتحدة بموافقة روسية - اميركية. كما انه دعا وزيرا خارجية الولايات المتحدة وروسيا جون كيري وسيرغي لافروف الى التشديد على ذلك في لقائهما اليوم، وهو اول لقاء سيجمعهما منذ سحب موسكو جزءا من قواتها وبعد اعلان الهدنة. فرغم استمرار الخلاف بين وفدي النظام والمعارضة على الاولويات في الجولة الثانية لمفاوضات «جنيف 3« التي تنتهي اليوم، فإن دي ميستورا اكد بالفم الملآن ان «موضوع الانتقال السياسي هو ام القضايا التي تواجهها مفاوضات جنيف 3»، اضافة الى قناعة وتوافق روسي ـ اميركي على ذلك. ومن المرجح ان لا تبتعد الجولة المقبلة اكثر من اسبوعين، خلافا لما طالب به بكل تبجح الوفد الرسمي، من ارجائها الى ما بعد الانتخابات المقررة في 13 نيسان، والتي تتعارض كليا مع مندرجات قرار مجلس الامن 2254 الذي يقضي بإجرائها خلال 18 شهرا.

وكما يتقدم، وإن ببطء، البحث في الخطوات الضرورية للانتقال السياسي في سوريا، سيحدث كذلك في الملف اليمني. وستكون الكويت مسرح المفاوضات التي تتم برعاية أممية، وتعقب زيارة وفد حوثي للسعودية، وفق ما اكده الموفد الاممي لهذا الملف اسماعيل ولد الشيخ احمد ومسؤولون يمنيون. وهي ستأتي بعد زيارة وزير الاستخبارات الإيراني سيد محمود علوي الكويت مؤخرا حاملا رسالة من رئيس بلاده حسن روحاني تتعلق بالعلاقات مع دول الخليج بشكل عام، بما يشكل دليلاً إضافياً عما يتسرب من معلومات عبر وسائل الإعلام عن ترجيح تقارب ما سعودي - إيراني لم تتبلور حتى الآن معطياته.