رصد العديد من الناشطين في مضايا والزبداني، وبعض المناطق الواقعة تحت سلطة النظام السوري و»حزب الله»، ما يمكن وصفه بـمنشأة غير تقليدية ل «حزب الله» في منطقة سهل الزبداني.
فمنذ بداية الهدنة، في السابع والعشرين من شهر شباط الماضي، تمكّن الناشطون في المناطق المحيطة بسهل الزبداني (غرب العاصمة السورية دمشق)، إضافة إلى بعض الخلايا المؤيدة للثورة داخل جيش النظام السوري، من رصد تحركات ليلية كثيفة ل «حزب الله» في المنطقة.
وتفيد المعلومات المتقاطعة من العديد من المصادر الداخلية أن «حزب الله» عمد في خلال المعارك في منطقة الزبداني (عشرة كيلومترات عن الحدود مع لبنان)، إلى تجريف وقطع الأشجار في السهل، ولاحقاً قام بتغيير الطرق والطبيعة الجغرافية للكثير من الأراضي التي كانت تستخدم للزراعة، وأزال مئات الآلاف من الأشجار، وكانت المعلومات تنشر في المواقع الناشطة بصفتها مجرد عمليات تخريب، من دون أن تقيم لها الجهات الدولية أية قيمة.

في بداية العام الحالي طلب «حزب الله» من العديد من الأهالي القاطنين في مناطق خارج دائرة حصار مضايا إخلاء منازلهم دون مبرر واضح، وكان سكان مضايا يردّون الأمر إلى نيّته في شنّ هجوم يسقط فيه البلدة.
وأعلم «حزب الله» القاطنين على الخط العام، الممتد من معمل بقّين للمياه، وصولاً إلى محطة السعيد، بضرورة إخلاء منازلهم، وهو ما أشرف الحزب على تنفيذه بالقوة خلال يومين لاحقين على تاريخ التبليغ.
في 22 كانون الثاني/يناير بدأت قوات من «حزب الله» بعمليات قضْم، حيث دفعت القوى المتمركزة في محيط مضايا إلى داخل البلدة المحاصرة، واستولت قوات «حزب الله» تدريجياً على المزيد من النقاط المشرفة، وتقدمت عسكرياً على جبهات في جنوب غرب مضايا، ما حال دون قدرة القوى المدافعة عن مضايا من رؤية ورصد تحركات الحزب.
لاحقاً، بدأت عمليات تحويل الطرق في سهل الزبداني، وإقامة تحصينات، ثم فجأة لاحظ الناشطون رفع مستوى «مرج التل»، وهو أساساً مرتفع صغير وسط السهل، يعلو عن باقي السهل حوالي 15 مترا. ومع الأيام بدأت تتراكم طبقات إضافية من التراب فوق المرج، ثم تشكّل مرتفع لحوالى 20 متراً إضافياً فوق المرتفع الأساسي فبلغ ارتفاعه 35 مترا.
ومن داخل المناطق الخاضعة للنظام و«حزب الله» أبلغ عدد من العناصر العسكرية عن أعمال ليلية في منطقة سهل الزبداني، حيث تدخل شاحنات محملة ببراميل إلى المنطقة المحرمة، التي لا يدخلها الا عناصر «حزب الله»، ويمنع على أي سوري الاقتراب منها مهما كانت رتبته، وتخرج الشاحنات محملة بالرمال.

أعمال غير مرئية

وقال عدد من أبناء المنطقة إن تربة السهل بشكل عام، ومرج التل بشكل خاص تسهّل عمليات الحفر، وهي تربة غنية وصالحة للزراعة، ويمكن الحفر فيها إلى أعماق كبيرة من دون الحاجة إلى معدّات خاصة.
ويقول الناشطون في المناطق المحيطة بالسهل إن أعمال «حزب الله» غير مرئية، ولا تصدر أصوات جرافات إلا نادراً، وإن الشاحنات تغزو المنطقة ليلاً، بحسب الأصوات، ولكن لا يشاهد أي شيء بسبب الظلام من ناحية، وبسبب من شبكة الطرق الجديدة التي أقامها الحزب. كما أن الشاحنات تختفي في ما يبدو أنه أنفاق أو منشآت تحت الأرض.
ومنذ منتصف شهر آذار/مارس بدأت المعلومات تشير إلى دخول سيارات دفع رباعي حديثة إلى المنطقة المحرمة، دون الوقوف على حواجز قوات النظام، وقد رصدت فعلاً هذه السيارات من المناطق المحاصرة في الزبداني ومضايا، وهي تصل إلى الموقع وتختفي فيه لساعات.
وبحسب المعلومات المتسربة من حراس موجودين على أطراف مداخل السهل، تابعين لقوات النظام السوري، فإن الشاحنات التي تدخل ليلاً وتخرج قبل بزوغ الفجر عديدة، وتختفي كل إشارة للأعمال مع خيوط الصباح الأولى، وإن الحزب يمنع الاقتراب من المكان، بينما يقول ناشطون من الداخل إن الحزب رفع العلم السوري على الموقع على الرغم من اعتياده رفع علمه الأصفر على المواقع التي يسيطر عليها في سوريا، وفي هذا محاولة إيحاء بأن الموقع تحت سلطة جيش النظام السوري.
وتشير كميات التربة التي تجري إزالتها، وبحسب القدرة المحدودة على الرصد، إضافة إلى كميّات التربة التي رفعت بها مرج التل، إلى أن شبكة الأنفاق تحت الأرض، أو الموقع المقام تحت الأرض، موقع غير تقليدي بحجمه، ولم يتمكّن أي مصدر من الإشارة إلى نوعية المواد التي تحملها الشاحنات في دخولها إلى المنطقة، سواء داخل البراميل، أم خلف البراميل، أهي مواد بناء أم مواد أخرى.
ويؤكد ناشطون سوريون من محيط منطقة الزبداني ومضايا وسرغايا، بأن الأعمال هذه لا علاقة لها بمخازن أسلحة، فمخازن «حزب الله» في المنطقة، في سرغايا والحميرات والشعرة، لا تزال تعمل بانتظام، ولم تتعرض لأي غارة إسرائيلية، والسراديب التي يفترض أنها تصل سوريا بلبنان هي أيضاً لا تزال تشهد حركة متواصلة، وأن إقامة هذه المنشأة تحت الأرض يثير الاستغراب، وهي لا تصلح لكي تكون مخزناً تقليدياً، ف «حزب الله» لديه في الجبال الغربية الفاصلة مع لبنان ما يكفيه من المخازن والممرات والسراديب، وكذلك يستخدم «حزب الله»، ومنذ أعوام طويلة مدينة الطلائع القريبة من الزبداني كأحد أكبر المقرّات له في المنطقة، كما أن مصانع الصواريخ القريبة من الزبداني لا تزال تعمل، وهي التي طوّرت صاروخ الفيل الشهير في الحرب السورية، والتي تعمل على إنتاجه بشكل متواصل، وفي هذه المصانع يطوّر الحزب، وبمعزل عن قوات النظام السوري أسلحة صاروخية أخرى. وإضافة إلى كل ذلك، فقد استولى «حزب الله» على قرية الطفيل اللبنانية (27 كيلومترا عن الزبداني) بعدما أخلاها وزير الداخلية اللبناني نهاد المشنوق من ساكنيها، وتركها ليحولها «حزب الله» إلى مركز انطلاق لعملياته العسكرية في القلمون.

خبرات إيرانية

ويؤكد الناشطون بأن هذه المنشأة ليست تقليدية، فمدخل المنشأة هو ما يمكن رؤيته فقط من الخارج، وهو يمتد على طول مرج التل بطول 150 متر، وعرض 150 مترا (22 الف و500 متر مربع)، أما الباطن فهو، وبحسب المعلومات المتجمعة، يمتدّ على مساحة كبيرة تحت الأرض. وتتركز المخاوف على وجود أسلحة من طبيعة خطرة، كالمواد الكيميائية او غيرها.
الصحافي اللبناني فداء عيتاني، الذي جمع الملف، يقول إن إقامة مركز للمراقبة في هذه النقطة هو هدر للطاقة، فيمكن مراقبة مضايا والزبداني من نقاط أخرى أكثر إشرافاً، وإقامة مجمع عسكري لا يقتضي كل هذه السرية التي يحيط بها الحزب الأعمال، فهو يعمل على تحصين موقع قلعة التل المتاخم للزبداني بشكل ظاهر. كما أن المجمع العسكري يحتاج إلى مسافة أكبر وإلى أجزاء فوق أرضية أكثر، وأما القول بأنها مخزن تقليدي للذخيرة، أو للمعدات فأيضاً ليست من عادة الحزب إقامة هكذا مخازن في نقاط مشابهة، في حين توفّر له سلسلة لبنان الشرقية (الجانب الشرقي داخل الأراضي السورية) حماية صخرية طبيعية أفضل وأقل كلفة من الموقع الحالي.
ويتابع بالقول إن المنشأة حتماً لا تتعلق بحفر أنفاق باتجاه الزبداني أو مضايا، المنطقتين الساقطتين عسكريا، لعدم توافر قدرات دفاعية جدية داخلهما حالياً.
فما من داعٍ لدفع كلفة عالية لأعمال حفر تحت أرضية للوصول إلى الزبداني أو مضايا بينما يكفي شن هجوم واحد لإسقاطهما.
ويقول إن «حزب الله» يعلم أن أعماله مرصودة، وأن الجهات المحلية يمكنها أن ترى جزءاً منها، وأن من يملك أقماراً صناعية وطائرات استطلاع متطورة يشاهد أعماله من الجو، وهو ببساطة لا يعبأ بالامر، ولكنه يخفي أعماله عن أعين الفضوليين غير المشاركين في اللعبة الدولية الكبرى.
ويعلم «حزب الله» أن حملة ديبلوماسية إسرائيلية تجري الآن حول العالم لتقديم البراهين على تطور أسلحة «حزب الله» في جنوب لبنان، ورفع مستوى ونوعية ترسانته الصاروخية، وربما لهذا السبب يستخدم مناطق أخرى، بعيدة نسبياً، وتحظى بحماية جوية (نسبية) لإنشاء المزيد من المراكز الحساسة التي يمكن استخدامها في عدة اتجاهات، سواء في سوريا أو في جبهات أخرى، إذا ما اقتضى التنافس الإيراني الإسرائيلي ذلك.
ويختم بالإشارة إلى أن هذه المنشأة غير التقليدية هي واحدة من سلسلة، ولا شك بأن هناك سلسلة من المصانع العسكرية، ومقرات التخزين للمواد الأولية وللمواد المنتجة، وهي متقاربة، وأغلبها يقع في القلمون الغربي، ومتاخم للحدود اللبنانية، وأن «حزب الله» يستعين بخبرات إيرانية في العمل، فوحده لا يستطيع تصنيع الأسلحة، إلا بحدودها التقليدية، ويقيم عدداً من المقرّات المشابهة، في مناطق أخرى، ولكن هذه المنشأة هي ما أمكن رصده، فبعد أن فشل الحزب في إخلاء المنطقة من سكانها، وفق اتفاق الزبداني ـ الفوعة، بدأ بأعمال الحفر المقرّرة سلفاً كما يبدو متخذاً الإجراءات الضرورية بالنسبة له للحفاظ على سرية الأعمال.
وتعيش مضايا من ناحيتها في حصار خانق، يقتل ببطء حوالي 42 ألف إنسان أغلبهم من المسنين والأطفال والنساء، بينما يدافع عنها 200 مقاتل من قوات الجيش الحر، وأحرار الشام، وهي البلدة التي حظيت بهدوء، واجتذبت النازحين من كل المنطقة المحيطة بها نظراً لوجود اتفاق سابق مع النظام وقوات «حزب الله»، بعدم القيام بعمليات عسكرية متبادلة، ونزح إليها في بداية معارك الزبداني في تموز /يوليو من العام 2015 ما يقارب 18 ألفاً من عائلات الزبداني.
أما بلدة الزبداني فقد شهدت معارك قاسية، وقاومت تقدم قوات «حزب الله» حتى اللحظة الأخيرة، وفقد المدافعون عنها أغلب أراضيها، وانحصروا ولا يزالون في مساحة كيلومتر مربع واحد. 
وعقد اتفاق سمّي باتفاق «الفوعة ـ الزبداني»، بعد مفاوضات في تركيا بين الحرس الثوري الإيراني وحركة احرار الشام، وتوقّفت على إثره المعارك، وكان يفترض بالاتفاق أن ينقل كل سكان الزبداني نحو إدلب، وينقل بضعة آلاف من سكان كفريا والفوعة (ريف ادلب) إلى مناطق النظام في دمشق وريفها. إلا أن التدخل الروسي أوقف تطبيق هذا الجزء من الاتفاق.

 

المصدر:"القدس العربي"