لم يكن جديدا أن نسمع عن سجال  يسجل بين الرئيس نبيه بري والجنرال ميشال عون. فالرجلان وخصوصا منذ عودة الأخير من منفاه الباريسي  يفتقدان لأي سبب يجمعهما حول رأي وقضية واحدة مع أنهما ينتميان سياسيا لنفس الفريق 8 آذار.

  لطالما تتدخل حزب الله من وراء الكواليس لفض الإشتباكات الكلامية وتهدئة الأمور بين الرجلين لكي لا تتطور إلى مستوى يحرج فيها حزب الله وينهار فريقه السياسي . فحزب الله يتصرف في هذا الموضوع كأم الصبي التي لن تتحمل خسارة أي منهما وخصوصا الحليف العوني لأنه يؤمن تغطية مسيحية واسعة لمشروعه ولن يتحمل خسارة الرئيس بري لقرب القواعد الشعبية بينهما والتغطية الرسمية والشيعية بالخصوص لخيارات الحزب الإقليمية والداخلية.

  تشنجت الأمور بين عون وبري خصوصا بعد آخر إنتخابات نيابية حصلت في 2009 حيث إستطاع التيار الوطني الحر إكتساح إنتخابات جزين والفوز باللائحة كاملة وإخراج حركة أمل وحلفائها من  المنطقة لأول مرة. ومن يعرف الرئيس بري يدرك جيدا أنه ماهر في الإنتقام البطيء وفي إختيار توقيته والتي كانت ترهق دائما عون وتوقعه في أفخاخه.

  كانت معركة التعيينات الأمنية وخصوصا قيادة الجيش أبرز محطات الصراع بين الطرفين فبري ومن خلفه تحالف ما يسمى :" أبناء الطائف"  منعوا وصول صهر الجنرال عون العميد شامل روكز لقيادة الجيش. لم يكن تصرف بري كرها بروكز بل إنتقاما من عون وهذا الأمر يعيه جيدا روكز . ولم تقتصر محاولات الرئيس على هذا الأمر بل تعداه إلى إفشال مشروع عون الإنتخابي " المشروع الأرذودكسي" ورميه جانبا. 

  هذا الصراع إمتد إلى الإستحقاق الرئاسي الذي إلى الآن يبدو مستحيلا أمام عون بسبب فيتو الرئيس وهذا ما يزعجه فعاد إلى نغمة حقوق المسيحيين.

  ميشال عون رفع قضية الحقوق المسيحية عاليا وبدأ يزايد فيها على الجميع ورمى بسهامه على الكل ولم تقتصر على الرئيس بري بل حتى على الرئيس سعد الحريري. والرجل عندما يهاجم الحريرية السياسية هو يهاجم منظومة سياسية جاءت بعد الطائف ومستمرة إلى الآن قوامها بري - جنبلاط - الحريري الأب والإبن ويتهمها بأنها صادرت حقوق المسيحيين وهمشت الموقع الأول في الجمهورية  لينطلق  في نوبات هجومية ومتناقضة بين الحين والآخر على إتفاق الطائف ويسوق  للفيدرالية.

  من مشروع تيار وطني شامل للجميع دخل عون الزواريب الطائفية وأصبحت شعاراته مقتصرة على حقوق المسيحيين فظهر كأنه يستنهض المارونية السياسية من جديد وتجلى الأمر بوضوح إبان تحالفه الجديد مع رئيس حزب القوات سمير جعجع. هذه المارونية السياسية لم تعد تصرف في السياسة اللبنانية لعدة أسباب لا يتسع لها النقاش مع أن الرئيس بري لم يكن حاقدا عليه بقدر حقده فقبل الرئيس بتوزير 10 وزراء من التيار الوطني الحر في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي السابقة وهي حصة لم ينلها أي زعيم مسيحي على مر التاريخ اللبناني. وعند بلوغ الإستحقاق النيابي طالب عون بإنتخابات جديدة وإعتبر المجلس النيابي غير دستوري مع أنه لم يستقل بل قبل بأن ينتخبه نفس المجلس في مفارقة لم تفهم إلى الآن إلا كتصويب على رئيس المجلس الذي رفض إنتخاب مرشح يعتبر مجلسه غير دستوري.

  الخلاف لم يتوقف عند هذا الحد بل وصل برئيس التيار الجديد جبران باسيل بأن يتهم وزير المالية علي حسن خليل ومن ورائه حركة أمل بأنهم يتصرفون مع المسيحيين كأنهم ذميين وبأن المجلس النيابي يمتلكه ويحتكره شخص إشارة لبري. فما كان من الأخير إلا أن يرفع من حدة تصريحاته ويهدد بأنه سيواجه أي طرح تقسيمي في لبنان بالقوة. وقد سبق ذلك هجوم إعلامي من قبل ال NBN القناة الناطقة بإسم حركة أمل على التيار الوطني الحر .

  وواقع الحال يخبرنا أن الحليفين اللدودين متجهان إلى مواجهة أعنف. فالرئيس بري لم يهضم عون في يوم من الأيام وسيفعل المستحيل لمنع تحقيق حلمه الرئاسي وعون لا يتحمل بري بإعتباره المعرقل الأساسي لكافة طموحاته.

  وللرجل إعتباراته حول التعامل بحذر مع أطروحات عون فهو يرى فيه خطر على الأدبيات التي سادت بعد إتفاق الطائف والتي كرسته كبيضة قبان للنظام اللبناني لذلك يتمسك بهذا الإتفاق ويعمل المستحيل لتأمين الحياة السياسية لتحقيق الحد الأدنى من الإستمرارية فيه ويعتبر أي طرح بديل عنه تهديد له شخصيا وهو إبن الطائف وإطلاق النار عليه هو إطلاق النار على الطائف نفسه لما حمله هذا الإتفاق من إمتيازات للشيعة والسنة خصوصا. كل هذا يجعله يتعاطى مع عون على أنه تهديد حقيقي لمشروعه ورؤيته والتي تتعارض مع رؤية عون ومشروعه الخاص الطامحة لنسف الطائف وإستبداله بمؤتمر تأسيسي آخر يعيد التوازن للعبة السياسية الداخلية.

فهو حينا  يهاجم الطائف وينتقد الحريرية السياسية ويدعو إلى الفيدرالية وكلها أطروحات يقوم بها الرجل ولم ينتخب بعد رئيس للجمهورية. وهنا مكمن الخطر الذي يتحسسه بري وهو وصوله إلى المركز الأول وما يعنيه ذلك من زخم سياسي داخلي وخارجي سيؤمنه عون لمشروعه وأحلامه. لأجل ذلك يحاول بري  بذكائه وحنكته قطع الطريق أمام وصول الجنرال للرئاسة من خلال تبنيه الضمني لترشح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية ما زاد  الحقد العوني.

  دائما للعبة السياسية في لبنان ضوابط يدركها جيدا الرئيس بري وهو عرابها ولا يقطع شعرة معاوية مع أحد لكن تصريحاته الأخيرة إتجاه عون تقول: "طفح الكيل معه " والأخير يردد: "لا أريد هذه الشعرة بعد الآن."