تزايدت الدلائل بتورط إيران و"عملائها" في المنطقة وبينها حزب الله في هجمات 11 أيلول الإرهابية٬ التي أودت بحياة الآلاف من الأميركيين. وتنفرد «الشرق الأوسط» بنشر 6 وثائق قضائية استند عليها قاضي محكمة نيويورك الفيدرالية جورج دانيلز٬ التي أصدرت حكماً الأسبوع الماضي بتغريم إيران مليارات الدولارات تعويضا لعوائل أميركيين قتلوا في الهجمات٬ ولشركات التأمين التي تحملت أضرارا مالية٬ لدورها في تسهيل مهمة تنفيذ العمليات الإرهابية التي استهدفت نيويورك٬ وواشنطن.   وتشير الوثائق التي تحصلت عليها «الشرق الأوسط»٬ إلى أن إيران٬ قامت بتسهيل٬ انتقال عملاء «القاعدة» إلى معسكرات التدريب في أفغانستان٬ وهو ما كان ضرورًيا لنجاح عملية الحادي عشر من سبتمبر. وبينت الوثائق أن أحد قادة حزب الله اللبناني عماد مغنية زار المنفذين في تشرين الأول عام 2000 ونسّق سفرهم إلى إيران بجوازات سفر جديدة لتأمينهم قبل تنفيذ العمليات. كما أثبتت أن الحكومة الإيرانية أصدرت أوامر إلى مراقبي حدودها بعدم وضع أختام مُبَيِّينة على جوازات سفر المنفذين٬ لتسهيل عمليات تنقلهم. واستمرت إيران في تقديم دعم مادي إلى «القاعدة»، حسب الوثائق، بعد وقوع أحداث أيلول وقدمت ملاًذا آمًنا لقيادات التنظيم.

  وفيما تداولت وسائل إعلام أميركية وغربية٬ أن قاضي محكمة نيويورك غرم الحكومة الإيرانية 10.5 مليار دولار٬ إلا أن اللجنة التنفيذية للمدعين ضد حكومة طهران٬ أكدت لـ«الشرق الأوسط»٬ أن التعويضات المفروضة على إيران ستتجاوز 21 مليار دولار٬ مشيراً إلى أن المبالغ الإيرانية المحتجزة من قبل الإدارة الأميركية٬ لن تكفي لتسديد التعويضات المطلوبة. وضمن حيثيات المحكمة٬ فقد أشير إلى أن اجتماًعا عقد في الخرطوم عام 1993 ضم أسامة بن لادن زعيم القاعدة السابق٬ وأيمن الظواهري٬ الزعيم الحالي للقاعدة مع عماد مغنية ومسؤولين إيرانيين لإقامة تحالف للتعاون المشترك ودعم الإرهاب.   وفيما يتعلق بحيثيات حكم المحكمة ضد إيران٬ يقول مصدر قضائي٬ إن القضية المرفوعة ضد إيران٬ تتهم 6 من الأفراد والجهات المستهدفين بالمقاضاة وهم٬ آية الله علي خامنئي٬ ووزير الاستخبارات والأمن علي فلاحيان٬ ونائب قائد الحرس الثوري الإيراني٬ والعميد محمد باقر ذو القدر. بالإضافة إلى 3 جهات٬ وهي وزارة المخابرات الإيرانية٬ والحرس الثوري الإيراني٬ وفيلق القدس التابع له.   وتؤكد الحيثيات الأولية للمحكمة على أن إيران تورطت في أعمال الإرهاب ودعمتها بصفتها أداة للسياسة الخارجية٬ منذ بداية وجودها بعد قيام الثورة الإيرانية في عام 1979. حيث بدأت طهران في وضع خطط طارئة لشن عمليات إرهابية معادية للولايات المتحدة الأميركية. وفي مطلع التسعينات٬ بعد تنحية التوترات التاريخية بين المسلمين السنة والشيعة جانبا٬ أقام الزعيم السياسي والديني السوداني حسن الترابي مع القيادة السياسية الإيرانية وأجهزتها الاستخباراتية علاقات وثيقة تضمنت روابط شبه عسكرية واستخباراتية٬ لتشكيل جبهة سنية­ شيعية موحدة ضد الولايات المتحدة والغرب.   وفي الوقت الذي تمركز فيه أسامة بن لادن و«القاعدة» في السودان في مطلع التسعينات٬ دّعم الترابي إنشاء مؤسسة وتحالفا يجمع بين المعارضة السنية والشيعية للولايات المتحدة والغرب- من بينها «حزب الله» اللبناني­ في محاولة وافق عليها وانضم لها أسامة بن لادن وأيمن الظواهري زعيما «القاعدة»٬ وكذلك قيادات إيران. وعلى الرغم من أن إيران و«حزب الله» ينتميان لطائفة الشيعة٬ و«القاعدة» إلى السنة٬ فإن العلاقات بين «القاعدة» وإيران أظهرت أن الخلافات بين الطائفتين لا تمثل بالضرورة حاجزا منيعا أمام التعاون في مجال العمليات الإرهابية.   وسافر عملاء بارزون في «القاعدة» إلى إيران لتلقي تدريبات على استخدام المتفجرات. وفي عام 1993 تحديدا٬ اجتمع بن لادن وأيمن الظواهري مع عماد مغنية قائد الإرهاب التابع لإيران ومسؤولين إيرانيين في السودان لإقامة تحالف للتعاون المشترك ودعم الإرهاب. وأدى الاجتماع الذي عقد بالخرطوم إلى سلسلة من الاتصالات والتدريبات والعمليات المستمرة التي جمعت بين إيران و«حزب الله» و«القاعدة». وأرسل أسامة بن لادن المزيد من العملاء الإرهابيين من بينهم سيف العدل٬الذي أصبح بعد ذلك الرجل الثالث في «القاعدة» وقائد التنظيم العسكري، إلى معسكرات تدريب «حزب الله» التي يديرها مغنية والحرس الثوري الإسلامي في لبنان وإيران.
  ومن بين الأساليب التكتيكية الأخرى٬ دّرب «حزب الله» عملاء «القاعدة» التابعين لأسامة بن لادن على تفجير مبان ضخمة٬ كذلك قدم لهم تدريبات خاصة بالاستخبارات والأمن. واستمر تدريب الإرهابيين بين «القاعدة» وإيران و«حزب الله» طوال التسعينات٬ وقدمت إيران دعما ماديا ومباشرا لعملية النقل الخاصة بالإرهابيين الذين نفذوا أحداث 11 أيلول.  وكان تسهيل انتقال عملاء «القاعدة» إلى معسكرات التدريب في أفغانستان ضروريا من أجل نجاح العملية الإرهابية.   ويضيف المصدر القضائي: «تؤكد الحيثيات التي وصلت إليها المحكمة على وسيلتين منفصلتين٬ ولكن بينهما رابط قامت من خلالهما إيران بتسهيل ودعم القاعدة فيما يخص أحداث 11 أيلول عام 2001. والطريقة الأولى التي ساعدت بها الحكومة الإيرانية ماديا وبطريقة مباشرة عملية سفر إرهابيي 11 أيلول هي إصدار أوامر إلى مراقبي حدودها بعدم وضع أختامُمَبِّينة على جوازات سفر الخاطفين المستقبليين المسافرين من وإلى أفغانستان عبر إيران. وسافر الكثير من خاطفي 11 أيلول عبر إيران في طريقهم من وإلى أفغانستان٬ مستفيدين من عدم وضع أختام في إيران على جوازات سفرهم السعودية. وهكذا سهلت إيران انتقال أعضاء «القاعدة» من وإلى أفغانستان قبل أحداث 11 أيلول. وكان بعض من هؤلاء العملاء الخاطفين الذين نفذوا عمليات 11 أيلول فيما بعد.   ومّكنت موافقة إيران على السماح بالدخول والمرور غير الموثق لعملاء «القاعدة» وخاطفي 11 أيلول من تقديم دعم مادي مهم لـ«القاعدة»٬ وذلك من خلال عدم ختم جوازات سفر الخاطفين٬ وتوفير ممر آمن عبر إيران وإلى أفغانستان٬ والسماح لـ«حزب الله »باستقبال المجموعة المسافرة. وتصرفت إيران في الحقيقة كدولة راعية لانتقال الإرهابيين.   أما الطريقة الثانية التي قدمت من خلالها إيران دعما ماديا ومباشرا لعمليات 11 أيلول ٬ كانت قيام عميل إرهابي من إيران و«حزب الله» بالمساعدة في تنسيق سفر الخاطفين فيما بعد. وكما كشفت لجنة التحقيق في أحداث 11 أيلول٬ في تشرين الأول عام ٬2000 زار قيادي بارز في «حزب الله» "عماد مغنية" السعودية لتنسيق العمليات هناك. وخطّط أيضا لمساعدة أفراد في السعودية على السفر إلى إيران خلال شهر تشرين الثاني. وكانت العمليات التي ذهب مغنية إلى السعودية «لتنسيقها» تتعلق بسفر الخاطفين وحصولهم على جوازات سفر سعودية جديدة٬ أو تأشيرات دخول أميركا لتنفيذ هجمات 11 أيلول٬ وتأمين الخاطفين والعملية.   وتابع المصدر القضائي تصريحاته يقول: «وجدت المحكمة أن تلك العمليات شكلت أيضا دعما مباشرا وماديا لمؤامرة 11 أيلول». بالإضافة إلى ذلك٬ استمرت إيران في تقديم دعم مادي إلى «القاعدة» بعد وقوع أحداث 11 أيلول عام 2001: «بصورة أبرز من خلال تقديم ملاذ آمن لقيادات القاعدة وعملائها٬ وحمايتهم من عمليات انتقامية شنتها القوات الأميركية التي غزت أفغانستان. وكما قررت المحكمة٬ ما قدمته إيران من دعم وموارد مادية كان عاملا مساعدا تسبب في النهاية في وقوع آلاف القتلى من مواطني الولايات المتحدة الأميركية٬ وتكبد خسائر في الممتلكات تقدر بمليارات الدولارات٬ وهو ما يضع إيران تحت طائلة المسؤولية عن وقوع تلك الأضرار».