بنفس المقدار الذي يتمادى فيه حزب الله بمصادرة القرار السياسي في البلد عن طريق إضعاف بعض مؤسساته الدستورية وإلغاء دور البعض الآخر فإن لبنان يفتقد إلى تلك العلاقة الأخوية المميزة التي تربطه بأشقائه الدول العربية، إذ ان الموقف السلبي المتصاعد الذي اتخذته المملكة العربية السعودية ومعها الدول الخليجية إضافة إلى معظم الدول العربية تجاه حزب الله والذي تم تتويجه بالقرار الأخير لجامعة الدول العربية بتصنيف الحزب تنظيما إرهابيا.

لا يطال الحزب فقط وإنما يطال لبنان كله، لذلك ان هذا القرار يشكل نقلة جديدة في مستوى تدهور العلاقات العربية مع لبنان بحيث أنه يعرض البلد لعزلة عربية بامتياز بعد ان كان محط اهتمام العرب والمجال الارحب لسياحتهم واصطيافهم وبعد أن كان الأخ الذي يحنون إليه وعليه وعلى استعداد دائم لتقديم المساعدة إليه عند تعرضه لأي محنة او نكبة. 

فلم يعد العرب مستعدين لتفهم عذر لبنان الرسمي وقبول التبريرات بأنه عاجز عن تأييد القرار الخليجي ومن بعده القرار العربي بالصاق صفة الإرهاب بحزب الله والسير به بحق ما يفترض أنه مكون أساسي من مكونات المجتمع اللبناني تجنبا للمس بالاستقرار الداخلي وما قد يقدم عليه الحزب من تهديد لأمن البلد.

لأن هذا العذر يثبت ما يقوله العرب من ان لبنان أصبح بلدا مغلوبا على أمره. وأن القرارات السياسية التي يتخذها باتت مفروضة عليه بقوة السلاح غير الشرعي.

وبالتهديد بتعرض أمنه لخطر الحرب الأهلية بواسطة هذا السلاح الذي تم تحويل وجهته عن العدو الإسرائيلي إلى الداخل اللبناني إذا تجرأت اي جهة سياسية او مسؤول على الإقدام على إتخاذ اي قرار يمكن ان يستفز حزب الله او يتعارض مع مواقفه ومصالحه إذ سبق للحزب أن استخدم هذا السلاح في الداخل في غير مناسبة  والسابع من أيار عام 2008 أكبر شاهد على ذلك. 

وعليه فإنه حتى الرئيس سعد الحريري فإنه أكد أكثر من مرة على ضرورة استمرار الحوار مع حزب الله حرصا على السلم الأهلي بالرغم مما لدى الحريري من تحفظات على سلوك الحزب وممارساته في مختلف الدول العربية والخليجية فضلا عن سياسة التعطيل التي يفرضها على عمل المؤسسات الدستورية. 

على ان الجانب الأبرز والذي لا بد من الاشارة إليه في أبعاد القرار العربي الذي يكرس صراع المصالح الإقليمية بين العرب وإيران هو الجانب القومي في هذا الصراع. إذ انه يضع الشيعة العرب أمام أحد خيارين.

أما الانتماء لقوميتهم العربية بالوقوف إلى جانب إخوانهم العرب. وأما التشبث بمذهبيتهم والاصطفاف خلف إيران في صراعها مع العرب.  وقد كانت مداخلة وزير الخارجية العراقي إبراهيم الجعفري حادة لدرجة انه وصف العرب بأنهم إرهابيون.

وفي ذلك إشارة بارزة إلى طبيعة الاصطفافات في هذه المرحلة، إذ لا يتردد وزير عربي ان يقف على منصة الجامعة العربية ليدافع عن إيران ضد إخوانه المفترضين من العرب الذي تجمعه بهم الهوية العربية المشتركة. 

على ان الوضع على درجة عالية من الخطورة، إذ ان حزب الله فرض على غالبية الطائفة الشيعية ان تسير في ركب هذا الاصطفاف المذهبي وراء إيران.

والانقلاب على هويتها الحقيقية وانتمائها القومي،  ومن هنا أهمية النداء الذي وجهه شيخ الأزهر إلى المراجع الشيعية المعتدلة في العالم العربي لإصدار فتوى صريحة تلتزم مبدأ الحوار والاعتدال لحل الخلافات بين أبناء الدول العربية وتحرم الاقتتال بين الشيعة والسنة.