اختير، قبل أيّام، السيّد أحمد أبو الغيط أميناً عامّاً جديداً لجامعة الدول العربيّة، فخلف في المنصب هذا السيّد نبيل العربيّ.


الخبر مدعاة لخليط من الاستياء والقرف، ليس لأنّ أبو الغيط أقام علاقات جيّدة مع إسرائيل، على ما قال نقّاد متعجّلون أو متحمّسون فاتهم أنّ مصر وإسرائيل تربط بينهما، منذ 1979، علاقات ديبلوماسيّة.


وبالطبع ليس مصدر الاستياء والقرف أنّ أحمد أبو الغيط مرفوض من إمارة قطر بسبب خلافها السياسيّ مع مصر المتعلّق بجماعة الإخوان المسلمين، فضلاً عن العُظام القطريّ الذي يجعل الدوحة دائماً تطرح على نفسها مهامّ جليلة لا تملك مقوّمات القيام بها.


المشكلة مع أبو الغيط تقع في مكان آخر تماماً. فهو وزير خارجيّة حسني مبارك ما بين 2004 و2011، بما في ذلك عضويّته في حكومة أحمد شفيق، آخر الحكومات المباركيّة.


وفي هذا المعنى فإنّ احتلاله الأمانة العامّة للجامعة العربيّة ينطوي على دلالة محدّدة مفادها أنّ سياسة عبد الفتّاح السيسي في الاعتذار عن ثورة يناير صارت سياسة عربيّة، كما غدت موضع إجماع يتعدّى مصر. إذاً، أمست الثورة المضادّة تحتلّ المنصب الرسميّ العربيّ الأوّل، ولو أنّه منصب رمزيّ واحتفاليّ.


وقد يقال إنّ المآلات التي انتهت إليها ثورات "الربيع العربيّ" إنّما عزّزت هذه الوجهة، ووسّعت رقعة القائلين بها والمشجّعين عليها.


بيد أنّ استخلاصاً كهذا، لا يُعدم الواقعيّة، إنّما يشي بالانسداد الكبير الذي يواجه مجتمعاتنا وشعوبنا، والذي يُرجّح له أن يرافقنا لأجيال مقبلة.


فردّاً على الشبّان والشابّات الذين ملأوا الميادين مطالبةً بالتغيير، اختير رجل هو من مواليد 1942، فضلاً عن كونه عضواً أساسيّاً في النظام البائد وأحد صنّاع قراره.


ثمّ إذا صحّ أنّ منصب الأمين العامّ منصب مصريّ عرفاً (لم يتغيّر إلاّ إبّان مقاطعة مصر عربيّاً، بعد كامب ديفيد، حيث تولاّه التونسيّ الشاذلي القليبي)، فالصحيح أيضاً أنّ مصر الراهنة لا تحظى بأيّ من المواصفات التي تتيح لها قيادة سائر العرب. ينطبق ذلك على الاقتصاد كما السياسة، وعلى الإعلام كما الثقافة، من دون أن يعني بالضرورة وجود قطب عربيّ آخر أكثر تأهيلاً منها.


وهذا في عمومه ليس مجرّد توكيد جديد على أنّ جامعة الدول العربيّة مؤسّسة مشلولة وعاجزة، بل هو أيضاً إشعار بأنّها متّجهة حكماً إلى مزيد من العجز والشلل.


أهمّ من ذلك أنّ الجامعة العربيّة بوصفها مرآة لواقع عربيّ لا تصنعه ولا تؤثّر فيه، تخبرنا اليوم الشيء الكثير عن أحوالنا كما يعكسها اختيار أبو الغيط أميننا العامّ!

 

المصدر: ناو