منذ أن عاد رئيس الحكومة السابق سعد الحريري إلى بيروت وهو في إنفتاح مستمر على مختلف التيارات السياسية الوازنة في البلد. فحتى خصمه السياسي الأول حزب الله يحاوره على طاولة عين التينة ضمن سقف منخفضة التوقعات لتحقيق إختراقات أساسية في المشهد العام. ولكن ما هو ملفت الإنفتاح الواسع والجريء على تيارات سنية كانت تشكل خصومة لمشروعه السياسي في البلد.

فبعد إغتيال والده في 14 شباط 2005 إستطاع سعد الحريري تجيير الصوت السني في كافة المناطق اللبنانية لصالح تياره وشكل أكبر كتلة برلمانية في تاريخ لبنان السياسي.

لكنه لم يكن على قدر توقعات جمهوره وبمستوى الشعارات التي طرحها كالعبور إلى الدولة فبقيت مجرد شعارات فارغة الفعالية وأصبحت ذكرى والده العصب الوحيد لشعبيته، فمر بمحطات قاسية لم يكن فيها على قدر المواجهة ك 7 أيار 2008 وإخراجه المذل من رئاسة الحكومة في 2011. 

إستغل حزب الله أخطاء الزعيم الشاب وإستطاع التوغل في البيئة السنية وتحقيق إختراقات مهمة وصولا إلى خلق حالات سياسية بحد ذاتها. وأصبح لدى الحزب جناح عسكري سني متمثل بسرايا المقاومة.

فحزب الله حول المواجهة مع مشروع الحريري إلى داخل ساحته ونجح في تحقيق نقاط لصالحه أضعفت ثقة الشارع السني بخيارات الحريري.

وما فاقم الوضع سوءا هو مغادرته لبنان وإستقراره في الخارج ما سمح بصعود تيارات إسلامية سلفية تطرح مشاريع متطرفة متزامنة مع  الإنتفاضة السورية ومشاركة حزب الله في القتال السوري كحالة أحمد الأسير في صيدا، لذلك بدا المشهد السني في حالة حرجة لا يحسد عليها في ظل غياب القائد المؤثر للسنة عن الساحة اللبنانية. 

وتجلى هذا الغياب في جولات القتال في طرابلس التي تشكل العمق الإستراتيجي لسنة لبنان والتي أظهرت الواقع المرير والخيار الصعب  الذي بدأ سنة لبنان يفكرون به ويمارسونه بعيدا عن الشعار الأساسي المطروح من قبل الحريري وهو العبور إلى الدولة. تصاعدت الدعوات إلى إنصاف سنة لبنان من المظلومية التي تلحق بهم والتي كانت تواجه بدعوات من الحريري للمزيد من  الإعتدال والإيمان بمشروع الدولة التي ضجر منها جمهوره.

فإستغلت بعض الحالات السنية السياسية في لبنان هذا الوضع كنجيب ميقاتي للإستثمار في مشروعها السياسي الخاص مستغلة الأزمة المالية التي تمر بها شركات الحريري وغيابه عن لبنان ووصول ميقاتي إلى سدة رئاسة الحكومة. أمام هذا الواقع كان لا بد من تغيير في السياسة المتبعة من قبل الحريري وفريقه السياسي إتجاه خصومه السنة أولا، فلا يمكن للحريري أن يواجه مشروع حزب الله وبيئته الداخلية منقسمة على خياراته هو نفسه.

أدرك أن أحد عناصر قوة حزب الله  تتمثل بالإجماع الشيعي حول مشروعه. وهذا الإجماع يفتقده هو في بيئته السنية. فحتى لو حقق تغطية وطنية لمشروعه يبقى الإجماع السني أو حتى شبه الإجماع أمرا ضروريا لإعادة تقوية مشروعه لمواجهة مشروع خصمه. وفي هذا السياق تفهم حركة الحريري السياسية والمنفتحة على خصومه السياسيين من السنة وإن كان من باب الإنتخابات البلدية، فشهد بيت الوسط ومنذ عودته لقاءات عديدة كان أبرزها مع الوزراء السابقين عبد الرحيم مراد وفيصل كرامي و محمد الصفدي وتم الإتفاق على خوض الإنتخابات البلدية بلوائح توافقية في البقاع وطرابلس.

أضف إلى التواصل والتقارب مع السيد فؤاد مخزومي وهو حالة سياسية بيروتية أتت من خلفية إقتصادية، أما ما هو أبعد من الإنتخابات قد لا يكون قريبا للإستحالة بل أقرب للواقع وهو ما قاله الوزير السابق فيصل كرامي على باب بيت الوسط بأنه تناول والحريري قضية ترتيب البيت السني وأنه مع الحريري لحلحلة الأزمات وذكر بفضل السعودية وخدماتها للبنان وهذا يتقاطع مع موقف رئيس حزب الإتحاد عبد الرحيم مراد الذي أيد عاصفة الحزم في أول أيامها وجدد تضامنه مع السعودية عند زيارته الحريري مصرحا أنه أخطأ لأنه لم يقف إلى جانب السعودية.

وليس مستغربا أيضا أنه ومنذ عودة سعد الحريري ومحاولاته المتواصلة لترتيب البيت السني لم نسمع بتصريح سني لبناني ضد المملكة العربية السعودية أو منتقدة للحريري بل شارك الكثير منهم في حملة التضامن مع المملكة وزاروا السفارة السعودية.

لذلك يبدو أن سعد الحريري أخذ قرارا ومن ورائه السعودية بالمواجهة حتى النهاية مع حزب الله وإيران،  والأولوية لهذه المواجهة سد الطريق أمام الحزب للتوغل أكثر في العمق السني، وما ترتيب البيت الداخلي إلا بوادر هذه المواجهة.