بعد أن قال الشعب الإيراني كلمته في الانتخابات الأخيرة وتمكن من رفض أهلية القدر المستطاع من المتشددين للفوز في الانتخابات النيابية (بشقيها البرلمانية ومجلس خبراء القيادة) عبر صناديق الاقتراع، محاولة لإحباط ما قام به مجلس صيانة الدستور من إبعاد 99 في المائة من المرشحين الإصلاحيين، عاد المحافظون المتشددون إلى عادتهم القديمة من إهانة الشعب واعتباره منحرفاً وفاسداً بسبب وقوفها بجانب الإصلاحيين في الانتخابات!

    وتأتي تلك الإساءة والإهانة بعد استهانتهم بقدرات الشعب وعدم أخذها بالحسبان، قبل الانتخابات عند ما استخدموا جميع أرواقهم من أجل إقصاء الإصلاحيين عن السلطة أو منعهم من الوصول إلى مواقع جديدة في السلطة.

    ولكن لم ينفع جميع تلك المخططات، ليصطدم المحافظون بالواقع الذي هو عدم ثقة أغلبية الشعب بهم، وصل ذروته في العاصمة طهران التي حصد قائمة الإصلاحيين جميع المقاعد (30) ولم يفز أي مرشح للمحافظين فيها.

    كان رد موقع رجا نيوز المتشدد مثيراً لصدمة الرأس العام، إذ أساء إلى المواطنين الطهرانيين بالقول: "إن السبب في هزيمة المحافظين في طهران هو أن هذه المدينة متعرضة للغزو الثقافي الغربي أكثر من بقية المدن ووفق الإحصاءات والتقارير الرسمية هي المتصدرة بين المدن الإيرانية في الجرائم الاجتماعية والطلاق والمخدرات".

    هذا التحليل الوقح لنتائج الانتخابات أثار سخط الرأي العام حيث لو كان المحافظون يفوزون في تلك الانتخابات لكان نفس الموقع يقول إن طهران هي واجهة الجمهورية الإسلامية وهي أم القرى للعالم الإسلامي و هي عاصمة الإسلام!

    أما عند ما يخسر المحافظون الانتخابات يلقون باللائمة على الشعب ولا يعودون إلى الذات لتفتيش نقاط الخلل التي يعانون منها، وأول تلك النقاط هو أنهم تعودوا على الحياة الطفيلية والتغذي من رصيد النظام لتجميل رؤاهم المتخلفة القروسطية، كما تعودوا على إقصاء منافسيهم عبر اعتبارهم عملاء لأعداء الجمهورية الإسلامية.

    وفي نفس السياق يأتي تصريح قائد الحرس الثوري الجنرال محمد على جعفري الذي قال يوم الخميس الماضي في أول خطاب له بعد الانتخابات، إن عناصر العدو في الداخل يقومون بأعمال ضد الثورة مضيفاً بأنهم غير مقتنعين بفكرة ولاية الفقيه ولا بفكرة تداوم الثورة، بينما فلسفة الثورة الإيرانية تقوم على ولاية الفقيه.

    واعتبر جعفري بأن التهديد الثقافي يتصدر قائمة التهديدات التي تواجهها الثورة ولذا يجب التركيز على الداخل.

    يبدو أن المحافظين الذين كانوا يخوفون الشعب الإيراني من خطر تمدد التكفيريين إلى داخل الحدود الإيرانية هم أصبحوا الآن يتخوفون من خطر المواطنين الإيرانيين أكثر من خطر الداعش! لأن الشعب الإيراني يرى بأولوية مكافحة المحافظين المتشددين الذين تواطئوا مع أحمدي نجاد طيلة السنوات الثمانية الماضية لتدمير البلد وتجويع الناس.