مارست أحزاب كثيرة أدوار دولة أو احتلت دور السلطة المركزية وألغت من وجود المؤسسات الرسمية لصالح مؤسسات حزبية صرفة وخاصة في الجباية المالية باعتماد المرافق الحيوية وفرض ضرائب على المؤسسات وعلى الأفراد بطريقة متشابهة بين قوى الأمر الواقع في ظل الغياب القسري لدور الدولة .

  اذا أخذنا أدوار كل من أمل والاشتراكي والقوات اللبنانية وحاجز التنظيم الناصري على مدخل صيدا كنماذج وعيّنات لتجربة حزبية تحكمت بمنشآت الدولة في مرحلة معينة وظروف خاصة دفعت بالقوى المتبقية من جيوش الأحزاب اللبنانية الى تطبيق نوع أو شكل من الادارة المحلية كما كان حال جبل الزعيم وليد جنبلاط أو حكم ذاتي خاضع للأستاذ نبيه بري كما كان الجنوب ومعه الضاحية ونصف بيروت أو كدويلة  " قواتية " شأن المناطق المسيحية الخاضعة لمن توالى على قيادة القوات اللبنانية وكل يذكر سيطرة القوات على مرفأ بيروت وأخذ ضريبة مالية على البضائع الداخلة والخارجة من والى بيروت .

  هذه الأحزاب وقبلها أحزاب الحركة الوطنية والمقاومة الفلسطينية لعبوا أدواراً سلطانية عطلت من أدوار الدولة التي باتت أسيرة القوى المؤثرة والفاعلة سياسياً وعسكرياً بحيث قضموها قضماً الى أن أصبحت أصغر طرف مهمش في لبنان . امتازت ظروف حزب الله عن ظروف الآخرين أنه قوة وحيدة ويتيمة مقابل تيارات واهنة لا تملك شيئًا مقابل ما يملكه حزب الله وهذه نقطة ايجابية للحزب اذ أن الآخرين من الأقوياء كانوا متشابهين في الامكانيات ولم تكن هناك غلبة لأحدهم فالحزب التقدمي الاشتراكي كان بقوّة الاخرين من حركة أمل الى القوّات كما أن الأحزاب الوطنية كانت على مسافة واحدة من القوّة زمن منظمة التحرير المسيطرة بالجُملة على البلد .

  لهذا , فان حزب الله وحيد عصره فلا أحد يضاهيه وامكانياته أكبر بكثير من امكانيات الآخرين ومع ذلك لم يُبادر الى ما بادر اليه الأقوياء في تعطيل الدولة المركزية ولم يقم حاجزاً لضريبة أو خوة وفرض اتاوة كما فعل الآخرون من الأقوياء في زمانهم وهو لم يهدم جُدر الدولة كما فعل الجميع رغم أن له موقفاً دينياً من صيغة الدولة بل حمى الدولة من السقوط رغم قدرته على فعل ذلك ووقف الى جانب المؤسسات الضامنة لبقاء الدولة وخاصة المؤسسة العسكرية . لم يكن دخول حزب الله الى الندوة البرلمانية ومن ثمّ الحكومة والمجالس الاختيارية الاّ لتوكيد منطق حضور الحزب في الدولة كصمام أمان وهو بذلك فتح فتحاً فقهياً جدلياً حول جواز الدخول في دولة غير اسلامية لم في ذلك من شرعية لحاكم لا يلتزم حدود الشريعة الاسلامية .

  وبعد مواجهات كثيرة مع فريق 14 آذار منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري وحتى اليوم لم يفعل حزب الله ما من شأنه أن يسقط الدولة ولم يبادر الى احتلالها بالقوّة الصاروخية التي يملكها ولم يصادرها فمازال يتعاطى مع السلطة المركزية كاطار وطني جامع للتناقضات اللبنانية ويحرص على مشاركة من يختلف معهم ولا يضع فيتو سياسي على أحد من خصومه .

  يشير البعض الى أن تصرف حزب الله ناتج عن دوره كقوّة ناشطة في المشروع الايراني ولا يمكن مقايسته بالأحزاب اللبنانية ذات البعد المحلي داخل لعبة المصالح المحلية لذا فان عزوف حزب الله عن مجاراة الآخرين في ضلالهم وغيهم ناتج عن مهمة حزب الله المتعلقة باستراتيجية أبعد من الدولة وتشكيلاتها ومن حسابات مالية بواسطة السرقة التي اعتاد عليها زبائن الحياة السياسية في لبنان وهو غير متعطش لمصالح ضيقة فلا حاجة له بالمال فالنفط الايراني غانيه عن التسول السياسي ولا حاجة له بكرسي في الدولة ما دامت قوته تضع الجميع في تصرفه .

  ويضيف قائلاً : حزب الله لا يمكن معاينته معاينة وطنية حتى يصح فيه ما صح في الآخرين من أبناء المدرسة الحزبية في لبنان وبالتالي يصح القول بفشل تجربة حزب الله في لبنان باعتبار أنه انتقل من مقاومة ضدّ العدو والمحتل الى طرف طائفي "محاصص " في السياسة للفساد الحكومي ومن ثمّ الى تيار مذهبي أولويته مقاومة المذهب السُني من خلال مشاركته في حروب ذات أبعاد مذهبية ومن خلال حملات التشيع للسُنة في أكثر من بلد عربي وافريقي .

  ربما هناك مغالطات أساسية في ما قاله البعض بخصوص فشل تجربة حزب الله لأن الثابت هو نجاح حزب في خوض تجربة معقدة لتيّار اسلامي منحاز وبقوّة لمشروع ديني في حين أنه  يقاتل لصالح الدولة العلمانية ويحذّر ويحاذر من نشأة دول دينية .