بدأت حركة النهضة التونسية برئاسة راشد الغنوشي مؤتمراتها الجهوية التمهيدية للمؤتمر العام العاشر في أجواء اتسمت بتزايد الصراع بين أجنحة هذه الحركة، الذي تضاعفت عوامله على وقع تداعيات إحالة مسودة مشروع قانون للجنة القضائية في مجلس النواب الأميركي لأول مرة يعتبر جماعة الإخوان بمختلف تنظيماتها منظمة “إرهابية” في خطوة تعكس مدى تردي شعبية التنظيم الدولي الذي تهيمن عليه انقسامات حادة.

وتواصلت الأحد فعاليات المؤتمرات الجهوية لهذه الحركة المحسوبة على جماعة الإخوان المسلمين، بعد أن افتتح الغنوشي السبت أعمال المؤتمر الجهوي التمهيدي لمحافظة تونس العاصمة بكلمة أعلن فيها أن المؤتمر العام العاشر لحركته سيُعقد تحت شعار ”الإصلاح”.

وأكد الغنوشي أن حركته “مرجعيتها الدستور التونسي الجديد، والإسلام الوسطي”، وذلك في إشارة رأى فيها مراقبون أنها رسالة طمأنة للطبقة السياسية التونسية، ومُقدمة للنأي بحركته عن المرجعية الفكرية لجماعة الإخوان المسلمين، والدفع بها نحو “التونسة” تأكيدا لتصريحاته السابقة في هذا الاتجاه.

غير أن ذلك لم يُبدد قلق الأوساط السياسية التونسية التي اعتبرت أن الغنوشي لم يأت بجديد، وأن كلامه مُرتبط باحتدام الصراع داخل حركته، وبمشروع قانون أحيل لمجلس النواب الأميركي الذي صنف جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية، والذي بدأ يتفاعل بحذر داخل حركة النهضة، ويُنتظر أن يُلقي بظلاله على أعمال مؤتمرها العاشر المُرتقب عقده في نهاية أبريل القادم.

ويحظى هذا المؤتمر بأهمية استثنائية على صعيد المشهد السياسي العام في تونس، باعتباره سينظر في مسألة العلاقة بين السياسي والدعوي داخل حركة النهضة، وبالتالي “تونسة الحركة” بتحويلها إلى حزب مدني وطني ديمقراطي.

ومع ذلك، يرى محمد الكيلاني الأمين العام للحزب الاشتراكي اليساري التونسي، أن شعار “التونسة” الذي ترفعه حركة النهضة “خاص بالسياسيين فقط، لأن رموز التيار الدعوي فيها هم إخوان بأتم معنى الكلمة ويظهرون عند الحاجة، وبعد أن يتم التمكن من الدولة”.

وفي المقابل، ربط مراقبون تصريحات الغنوشي حول الإسلام الوسطي والإصلاح بتداعيات قرار مجلس النواب الأميركي الذي قد يقلص من هامش المناورة السياسية لدوره على مستوى التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين.

ولاشك أن الغنوشي الذي عاش سنوات طويلة في الغرب يدرك أكثر من غيره أهمية تغير المزاج الغربي ضد هذا التوجه أو ذاك، كما يُدرك أيضا أن مثل هذه القرارات لا تتسلل إلى المؤسسات التشريعية سهوا أو تحريضا بل بسبب دراسات تجريها مراكز متخصصة أو شبه حكومية، وبالتالي فإن ما تم ليس بالأمر المريح لحركته التي تجنبت عاصفة مصر في تونس.

وتباينت آراء المراقبين في تشخيص أبعاد تلك التداعيات على حركة النهضة، حيث اعتبر البعض أن هذه الحركة ستضطر للتعاطي مع هذا المُستجد مهما تكن تداعياته، ومحاذيره بتكتيكات تستند إلى “التقية” التي تحكم عمل وتحرك جماعة الإخوان المسلمين، فيما ذهب البعض الآخر إلى القول إن ما تم إلى غاية الآن هو “صفعة” لن تتمكن حركة النهضة من تجنب تبعاتها.

ويقول الأكاديمي والمؤرخ التونسي عليّة عميرة الصغير لـ”العرب”، إن مشروع القرار الأميركي هو “صفعة قوية لجماعة الإخوان المسلمين بشكل عام، ولفرعها بتونس أي حركة النهضة برئاسة الغنوشي”.

وفيما اعتبر عليّة عميرة الصغير، أن حركة النهضة الإسلامية ستجد صعوبة كبيرة في امتصاص تبعات مشروع القرار، رأى زهير حمدي الأمين العام لحزب التيار الشعبي التونسي في تصريح لـ”العرب”، أن أميركا التي وظفت الإسلام السياسي لملء الفراغات التي برزت في أعقاب سقوط عدد من الأنظمة العربية في العام 2011، واستخدمته كأداة لتحقيق أهدافها، لن تُفرط فيه في هذه المرحلة المعقدة.

صحيفة العرب