حملت الاحتجاجات التي نظمها الجمعة أنصار الزعيم الشيعي مقتدى الصدر أكثر من رسالة قوية لخصومه داخل منظومة الأحزاب الدينية المرتبطة بإيران. ولعل أبلغ تلك الرسائل تلويحه باقتحام المنطقة الخضراء وما قد تعنيه هذه الخطوة من سيطرة على الحكم وإنهاء العملية السياسية التي قامت على غزو 2003.

وهدد الصدر في كلمة، أمام المتظاهرين الذين احتشدوا منذ الصباح الباكر في ساحة التحرير وسط بغداد حيث فرضت إجراءات أمنية مشددة، بانتفاضة شعبية. وقال “اليوم نحن على أسوار المنطقة الخضراء وغدا سيكون الشعب فيها”.

وطالب زعيم التيار الصدري رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بمحاربة الفساد وإجراء إصلاحات جذرية.

وقال إن “الحكومة تركت شعبها يصارع الموت والخوف والجوع والبطالة والاحتلال”.

وأكد أن “رئيس الحكومة على المحك بعد أن انتفض الشعب (…) اليوم هو ملزم بالإصلاح الجذري لا الترقيعي”. وأضاف “كفاهم سرقات كفاهم فسادا”، مشيرا بذلك إلى أعضاء الحكومة.

وبعدما ردد مع المتظاهرين “نعم نعم للإصلاح” و”نعم نعم لمحاربة الفاسدين” وكلا كلا للفساد”، أشار الصدر إلى أنه “لا أحد من أفراد الحكومة يمثلني على الإطلاق (…) وإن تعاطف معنا أو انتمى إلينا”، في إشارة إلى وزراء التيار الصدري في الحكومة.

واعتبر مراقبون أن الصدر يجرؤ على القيام بما لا يجرؤ على القيام به الآخرون بسبب أنه لا يزال يمتلك حضورا شعبيا واسعا وتأثيرا في البرلمان والحكومة، فضلا عن استفادته من قرار المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني النأي بنفسه عن الخوض في القضايا السياسية.

ويشغل التيار الصدري ثلاث وزارات في الحكومة إضافة إلى 32 مقعدا في البرلمان العراقي المؤلف من 328 مقعدا. وقد واجه بعض هؤلاء الوزراء اتهامات بالفساد.

وأشار المراقبون إلى أن خطوة الصدر الاستباقية، التي لا تخلو من استعراض للقوة، هي رسالة موجهة إلى الكتل السياسية المشاركة في الحكومة، وإلى العبادي الذي ما يزال واقعا تحت تأثير الأحزاب الدينية، ويتخوف من أن تطيح بخطواته الإصلاحية.

وكان العبادي قد دعا إلى إشراك الحشد الشعبي في معركة استعادة الموصل بعد أن كان معارضا لأي دور يمكن أن تلعبه هذه الميليشيا في المعركة ضد تنظيم داعش وخاصة في المناطق السنية في تماه مع الموقف الأميركي. ويعكس هذا التراجع حجم الضغوط التي تمارسها عليه الأحزاب المرتبطة بإيران.

وأراد الصدر أن يؤكد لرئيس الحكومة أن الشارع في يده، وهو مع الإصلاح، وأنه لا داعي للانتظار والخوف من الأحزاب.

ولفت المراقبون إلى أن المشهد السياسي في العراق مقبل على تغيرات جذرية لا علاقة لها بما يشيعه البعض من آمال تتعلق بقيام حكومة تكنوقراط، وأنه قد يشهد صراعات بين الأحزاب الدينية المتحالفة.

وقال مراقب سياسي عراقي إن الصراع بين بيتي الحكيم والصدر عاد ليطفو على السطح، “ولأن مقتدى الصدر يملك من السند الشعبي ما لا يملكه عمار الحكيم فقد قرر أن يبدأ سباقه بالتخلي عن ممثلي تياره في الحكومة ليتسم خطابه الموجه إلى تيارات المجتمع المدني كما إلى أنصاره بالنبرة المعارضة التي تندد بالفساد”.

واستبعد المراقب في حديث لـ”العرب” أن يفكر الصدر، في هذه المرحلة على الأقل، في احتلال بغداد والزحف إلى المنطقة الخضراء، لإسقاط الحكومة، وإنهاء العملية السياسية برمتها.

لكنه أكد أن ما قام به الصدر قد يمهد لخطوة من ذلك النوع، وأن “التظاهرات التي قادها الصدر تشير إلى بداية العد التنازلي للنظام القائم الذي يتوقع الكثيرون انهياره بسبب الأزمة الاقتصادية المستفحلة”.

وقال المحلل السياسي العراقي فاضل أبو رغيف إن الاحتشاد الذي شارك هو نفسه فيه الجمعة كان بمثابة إعادة تأكيد من جانب الصدر لحمله لواء الإصلاح.

وأضاف "في الآونة الأخيرة يكاد يكون نجم الكتلة الصدرية قد أفل نوعا ما"، مشيرا إلى أن المغزى الأول من هذا الاحتجاج هو "إعادة التيار الصدري تارة أخرى إلى الواجهة والمعرض السياسي."

وتوجه اتهامات بالفساد إلى غالبية المؤسسات الحكومية فيما تعاني جميع قطاعات الخدمات في البلاد من نقص حاد.

وشهدت المدن العراقية ومن بينها بغداد تظاهرات متواصلة استمرت بشكل أسبوعي للمطالبة بإجراء إصلاحات ومعالجة البطالة ومحاربة الفساد وتحسين جميع قطاعات الخدمات في البلاد خصوصا الكهرباء.

ولم يتمكن العبادي خلال جلسة حضرها قبل أيام من الحصول على تفويض من البرلمان لإجراء إصلاحات واسعة أبرزها تقليص المناصب الوزارية من 33 إلى 22، وخفض عناصر حماية المسؤولين.

ورغم المطالب الشعبية، يرى محللون أن إجراء أي تغيير جذري في العراق سيكون صعبا نظرا للطبيعة المتجذرة للفساد واستفادة الأحزاب منه، إضافة إلى تعقيدات الوضع السياسي والمذهبي.

 

المصدر: العرب