جدّد رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، الخميس، الدعوة إلى أنصاره لحضور التظاهرة “الضخمة” والتي قال إنه سيقودها في العاصمة العراقية بغداد ويؤم بعدها صلاة الجمعة.

وعلى مدار أيام هذا الأسبوع، عاش العراقيون على الضجيج الإعلامي الكثيف الذي أحدثته دعوة الصدر إلى التظاهر، والتي سبقها ترويج كثيف لـ”برنامجه” الإصلاحي تزامنا مع الجدل الدائر حول إعلان رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي نيّته إجراء تغيير حكومي وصفه بالجوهري، وقال إنه سيشمل تغيير الوزراء المنتمين لكتل وأحزاب سياسية بآخرين تقنيين في اختصاصاتهم ومجالات عملهم.

وأثار كلام العبادي سيلا من الأسئلة والشكوك في أن تستسلم الأحزاب الشيعية الحاكمة في العراق لتوجّه العبادي وتسلّم السلطة التي قاتلت لأجلها بشراسة طيلة العشرية الماضية، إلى تكنوقراط خارجين عن سلطتها.

وكشفت النائبة عن كتلة تحالف القوى العراقية انتصار الجبوري، الخميس، عن مفاوضات بين الكتل السياسية ورئيس الوزراء حيدر العبادي لعدم شمول عدّة وزراء بالتعديل الحكومي المرتقب.

وقالت في حديث لموقع “السومرية” الإخباري إن “هناك مفاوضات بين الكتل السياسية ورئيس الحكومة للإبقاء على مجموعة من الوزراء في مناصبهم بالحكومة الجديدة”.

وصنّف مراقبون “حملة” مقتدى الصدر باعتبارها عملية منسّقة مع باقي الأحزاب الدينية، وحتى مع رئيس الوزراء ذاته للإمساك بزمام الإصلاح المنشود، بل للتحكّم في حركة الشارع، الذي صعّد من احتجاجاته وشمل بها الأحزاب الدينية الحاكمة.

وتقوم تلك العملية على استغلال الصورة التي عمل الصدر على نحتها لنفسه كـ”مناهض للطائفية”، ومعارض للمحاصصة السياسية، مستفيدا مع خصومته الشخصية مع رئيس الوزراء السابق نوري المالكي الذي أصبح لدى شريحة واسعة من العراقيين، بمن فيهم أبناء الطائفة الشيعية، رمزا للفساد المستشري في مفاصل الدولة ومسؤولا عن حالة شبه الإفلاس التي تواجهها، وانهيار مؤسساتها بما في ذلك مؤسستها الأمنية والعسكرية التي لم تقو على مواجهة بضع مئات من مقاتلي تنظيم داعش حين غزوا مناطق واسعة في العراق واحتلوها صيف سنة 2014.

وكان رئيس الوزراء استقبل الثلاثاء زعيم التيار الصدري وناقش معه التغيير الوزاري المرتقب.

وتخترق الشارع العراقي، وخصوصا شريحة الشباب الذي يمثل النسبة الأعلى بين السكان، حركة معارضة قوية لحكم الأحزاب الدينية، متجسّدة في مظاهرات لم تنقطع عن الخروج إلى شوارع أغلب المدن بما فيها العاصمة بغداد أيام الجمعة.

وكان منظّمو تلك المظاهرات توعّدوا بتصعيد احتجاجهم مع اقتراب موعد التغيير الوزاري المرتقب للضغط على الحكومة كي لا تتراجع أو تنحرف به عما أعلنته بشأن مداه وأهدافه.

وقال قائمون على الحراك الاحتجاجي المدني في العراق، إن الهدف من تظاهرات مقتدى الصدر هذه الجمعة هو إغراق بغداد بأنصار الأحزاب الشيعية لقطع الطريق على المحتجّين المدنيين.

واعتبروا أن دعوة الصدر هي محاولة لسحب البساط من تحت أقدام المتظاهرين الرافضين للأحزاب الدينية والطائفية الحاكمة المتسببة في شيوع الفساد بالبلاد. وجدّد الصدر، الخميس، دعوته إلى التظاهر الجمعة بساحة التحرير وسط بغداد، مشيرا إلى أنه سيلقي كلمة في المتظاهرين ثم ينصرف الجميع لأداء صلاة الجمعة. وتابع “أكرر لا هتافات صدرية بل عراقية عامة، ولا رايات ولا أعلام إلا علم العراق”، مشيرا إلى أن “من يفعل غير ذلك فهو إما عاص أو مدسوس”، مواصلا بذلك الترويج لصورته كـ”وطني معارض للطائفية”.

وقال لوسائل إعلام محلية “إننا مصممون على التظاهر”، مخاطبا المتظاهرين “لا تسمعوا للإشاعات المعادية وعليكم الاستمرار.. اضبطوا عواطفكم وإلا كانت المرة الأخيرة لحضوري معكم، فكونوا على قدر المسؤولية”.

وتهديد الصدر بالغياب أو الانسحاب أمر مألوف، بل إنّ الرجل يعتبر عمليا في حكم المنسحب من الحياة السياسية بالاستناد على إعلانه ذلك الانسحاب وحلّ تياره والميليشيا التابعة له بشكل صريح وواضح في فبراير 2014. ويحاول الرجل بذلك أن يوحي بأهميته وضرورة دوره، لكن منتقديه يعتبرون الأمر دليلا على عدم جديته وقلة مصداقيته.

وعزا ناشط في الحراك الشعبي العراقي دعوة الصدر للتظاهر إلى خروج الخلافات إلى السطح بين الأطراف التي فشلت في أن تؤلف فريقا حكوميا متماسكا، بالرغم من أنها كانت حريصة على تقاسم الغنائم في ما بينها. “وهو ما يفسر لجوء زعيم التيار الصدري إلى تحشيد أنصاره في ما يمكن أن يكون محاولة لمواجهة الآخرين ممن يسعون إلى حصر الفساد بممثليه في الحكومة الاتحادية والحكومات المحلية”.

وكان الصدر الذي وصل إلى بغداد قادما من النجف قد اجتمع مع رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي ورئيس البرلمان سليم الجبوري، قبل أن يؤم صلاة جمعة مقررة لأنصاره في ساحة التحرير وسط العاصمة العراقية بغداد.

وعبّر ناشط بالحراك الاحتجاجي العراقي في حديث مقتضب لـ”العرب” عن خشيته من أن تكون دعوة الصدر إلى التظاهر محاولة لـ”سحب البساط من تحت أقدامنا بعد أن كنا قد قررنا في وقت سابق أن نخرج في تظاهرات الجمعة احتجاجا على ما آلت إليه الأوضاع في البلاد”.

وفي تعليقه على ما يمكن أن تشهده الحياة السياسية في المرحلة القادمة، قال الناشط نفسه “ستشهد البلاد سباقا محموما بين مختلف الكتل السياسية. وكل واحدة من تلك الكتل ستحاول أن تتقرب من الجمهور الغاضب من أجل أن تكتسب صك براءة من سياسات المراحل السابقة التي قادت البلاد إلى الإفلاس”.

 

المصدر: صحفية العرب