في قمّة ثلاثية عُقدت منذ مدة قصيرة في العاصمة القبرصية نيقوسيا، بين إسرائيل واليونان وقبرص، اتّفَق الأطراف الثلاثة على التعاون في مجالات عدة، إضافةً إلى إنشاء لجنة لفحصِ مختلف السُبل لتصدير الغاز الإسرائيلي والقبرصي إلى أوروبا. وقد أبرَمت إسرائيل أخيراً اتّفاقاً مع اليونان وقبرص على مدّ أنبوب للغاز من الحقول الإسرائيلية والقبرصية إلى اليونان، ومنها إلى باقي دوَل الاتّحاد الأوروبّي.

 

رأى البعض في هذا انقلاباً استراتيجياً على السياسات الإقليمية التاريخية لكلٍّ من اليونان وقبرص، خصوصاً سياساتهما الفلسطينية، على اعتبار أنّ القضية الفلسطينية خسرَت بلدين جديدين كانت تَربطها بهما علاقات تاريخية، إضافة الى أنّ اسرائيل أضحَت، بعد اكتشاف حقلَي «تامار» و«ليفياثان» قُبالة سواحل حيفا على البحر الأبيض المتوسط عامَي 2009 و2010، أحدَ الأطراف المُرشّحة للعِب دورٍ أساسيّ في شبكة إمدادات الطاقة في المنطقة.

 

أمّا محلّياً، فيستعدّ رئيس مجلس النواب نبيه بري لفتح الملف النفطي على نطاق واسع بعد الانتهاء من أزمة النفايات وغيرها من الأزمات التي باتت بمثابة ملهاة عن هذا الملف الحيوي والاستراتيجي بالنسبة الى مستقبل لبنان على كلّ المستويات. ويردّد برّي دائماً موَصّفاً حال لبنان في الموضوع النفطي بأنّه «أشبَه بجائع يجلس وسط مجموعة موائد عامرة»

 

وفي هذا السياق، أبدَت كتلة «الوفاء للمقاومة» خشيتَها من أن «يقع الأنبوب في المنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان، لا سيّما في ظلّ الاعتداء الصهيوني عليها بما تفوق مساحته 860 كلم2، وفي ظلّ عدم وجود اتفاق مبرَم بين لبنان وقبرص في شأن تحديد المنطقة الخاصّة بكلّ منهما». ودعَت الكتلة الحكومةَ إلى «اتّخاذ الإجراءات الاستباقية للحؤول دون وقوع المحظور في هذا الأمر».

 

رأيُ الخبَراء

 

وعن تأثّرِ لبنان بهذا المشروع، قال أحد الخبَراء المتعاطين بملفّ النفط والغاز لـ«الجمهوريّة» إنّ «أنبوباً كهذا لا بدّ مِن مروره في المياه الاقتصادية الخالصة اللبنانية، بحيث يحقّ لهم المرور على بُعد مسافة 12 ميلاً مِن الشاطئ اللبناني، وفي حال نُفِّذ المشروع سيضطرّ لبنان في كلّ مرّة يريد تصديرَ غاز أو نفط في الأنبوب الى اوروبا، للتعليق على هذا الخط، لأنّ أوروبا في حال قبولِها شراءَ غاز ونفط من إسرائيل ستستثمر في الأنبوب الجديد وستَدفع قسماً من التكاليف، وجرّاء الأزمة الاقتصادية الكبيرة في اوروبا فإنّ الاوروبيين لن يَدفعوا ثمنَ أنبوبين، أحدهما لإسرائيل والآخر للبنان، وهذا الاقتراح يشكّل خطراً سيادياً».

 

وأضاف: «في هذه الحال ستطلب منّا أوروبا التعليق على الأنبوب الإسرائيلي، وطبعاً لن يقبلَ لبنان بذلك نتيجة حربِه مع هذه الدولة، ممّا سيجبره على دفع ثمن أنبوب لوحدِه، والذي يُعتبَر باهظ الثمن، أو سيضطرّ إلى إنشاء معامل لنقل الغاز في البواخر والتي تُعتبر أيضاً مكلِفةً وستؤدي الى تقاعُس الدوَل الأوروبية عن الاستثمار في نفطنا لكِلفته المرتفعة، وهذا الاقتراح يشكّل خطراً اقتصادياً على البلد».

 

واعتبَر الخبير في المقابل أنّ «مِن الصعب على هذه البلدان الثلاثة القيام بخطوة كهذه حاليّاً، لعدمِ قدرتها على تكبّد تكاليفه، إضافةً الى أنّ الموجودات النفطية لدى الطرف القبرصي لم تكن بالمقدار المتوقّع، لكنّ هذا الأخير يريد فتحَ دورة ثالثة لاكتشاف ما إذا كان هناك نفط في الأماكن التي لم يُلزّمها في السابق، وقد تكون هذه المبادرة مبنية على طلب اسرائيل التي تريد مدَّ هذا الأنبوب بأيّ طريقة».

 

وعمّا قد يفعله لبنان لمنع تنفيذ مشروع كهذا، شدّد الخبير على «ضرورة منعِه لأيّ خط قد يمرّ في مياه لبنان الاقتصادية الخالصة، وعدمِ القبول بتطوير دوَل الجوار لحقولها، فيما لبنان متَلهٍّ بأمورٍ أخرى، فتحريكُ ملف النفط والغاز مسألة مهمّة جداً، وذلك عبرَ إعادة إطلاق المزايدة التي أُطلِقت عام 2013 لجذبِ الشركات العالمية مثلاً أو إقرار المراسيم وقانون الضرائب على نشاط البترول، فأنبوب النفط الاسرائيلي إذا لم يُمدّ اليوم، قد يُمدّ بَعد خمس سنوات أو عشر».

وأوضَح أنّ «مَن يهتم بنا هو الاوروبي، وهو موجود في العراق وفي سوريا، فسوريا لن تبقى كما هي اليوم، بل إنّ مشاريع النفط والغاز فيها واعدة، وهو موجود أيضاً في الكويت، إيران، قطر إلخ... وفي إمكانه عندها مدُّ أنبوب يمرّ بلبنان الى دول أوروبا، وفي هذه الحال لا مشكلة مادّية تَعترضه كما يَحصل مع الأنبوب الاسرائيلي، ولكن لهذا الهدف علينا العملُ في مجال النفط، وإلّا فلن يقترب منّا أحد».

 

قد يكون التهاء المسؤولين اللبنانيين في مشاكل الرئاسة والنفايات قد شجّعَ إسرائيل على انتهاز الفرصة والسعي لمدّ الأنبوب والاستفادة ممّا يخَبّئه قاع البحر اللبناني، فقبلَ سنتين تقريباً ظهرَت إلى العَلن نتائج مسوح أجرَتها شركات متخصّصة ورجّحت أنّ المياه الإقليمية اللبنانية تَحتوي تحت قاعِها نفطاً وغازاً بكمّيات تجارية. وعلى الرغم من ذلك لم تَخطُ الدولة اللبنانية خطوةً إلى الأمام من خلال إبرام اتّفاقات لاستخراج النفط والغاز وتسويقهما.

 

استراتيجياً

 

ومِن الناحية الاستراتيجية، لا يشكّل هذا الأنبوب ضَرراً على لبنان بمقدار ما يؤخّره أو يُصعّب عليه عملية استخراج غازِه، فالضَرر الأكبر هو على روسيا، إضافةً الى وجود معارضة تركيّة لهذا الموضوع، إذ تَعتبر أنّ لها حصّة في الغاز القبرصي، وهنا يُطرح السؤال الآتي: العلاقات الروسية - الإسرائيلية في أفضل حالاتها، فهل يُعقل أن يقدِم الجانب الاسرائيلي على خطوة كهذه من دون استشارة الروس؟

 

وفي هذا السياق قال العميد المتقاعد خليل الحلو لـ«الجمهورية» إنّه «في حال مُدَّ الأنبوب الذي يُحكى عنه، أعتقد أنّ الغاز المصري سيكون موجوداً كذلك، لأنّه سيخفّض الكلفة ولأن لا مشكلة بأن تدخلَ مصر في مشروع كهذا نظراً لوجود اتّفاق «كمب ديفيد» لتصدير الغاز المصري إلى إسرائيل، وعندها تصبح الكلفة مناسبةً جداً وتَبدأ المنافسة مع الغاز الروسي»، وأكّد «أنّ هذا المشروع يضرّ لبنان في حال استفاقَ المسؤولون من غيبوبتهم وقرّروا استخراجَ الغاز، الخطر عندها يَكمن في احتمال تعقيد الشروط لخطوةٍ كهذه، لكنّني أعتقد أنّ هذا الأنبوب سيلاقي مواجهة روسيّة من خلال الوجود العسكري الروسي في الشرق المتوسط لأنّه يضرّ بمصلحة الروس كونهم يرسلون الغاز إلى أوروبا، وهذه الأخيرة تبحث عن بدائل لأنّها وضَعت عقوبات على روسيا».

 

وأوضَح الحلو «أنّ الغاز المتوافر في البحر الأبيض المتوسط بين لبنان وإسرائيل وقبرص وأخيراً مصر والساحل السوري هو غاز صخريّ ويختلف عن الغاز الطبيعي، أي الروسي أو القطري أو الإيراني الموجود في قوارير الغاز في منازلنا»، مضيفاً: «كِلفة استخراج الغاز من بحرنا مرتفعة، وبالتالي لا يمكننا الحديث عن أنابيب كلاسيكية لاستخراجه، وفي حال قرّرنا تصديرَه عبر هذه الوسيلة فهي مكلِفة ومردودُها لا يعوِّض الكلفة إلّا في حال اشتركت قبرص بالأنبوب، ونظريّاً من الأفضل أن تشاركَ مصر كذلك، خصوصاً أنّه تبيّن أنّ لديها كمّية غاز كبيرة».

 

وأشار الحلو إلى أنّه «في فترةٍ سابقة تمّ البحث طويلاً في موضوع الغاز والنفط، وكانت هناك فكرة بأن تنشىء قبرص مرفأ غاز «Liquefied natural gas terminal»، بحيث يتمّ استقدام الغاز اللبناني والقبرصي والإسرائيلي، ويُحوّل في هذا المرفأ إلى غاز سائل ليُنقل في البواخر الكبيرة الى اوروبا، لكن يجب أن تستخدمه دوَل عدة لتساهم في خفض كِلفة إنتاجه لكي يكون مناسباً للبيع، إلّا أنّ كلفة إنشاء المرفأ مرتفعة أيضاً حيث تبلغ 5 مليارات من الدولارات، في حال قرّرت دولة واحدة إنشاؤه».

 

وقال: «منذ نحو سنتين حاولَ الأميركيون فضَّ الإشكال الذي نشَأ بين إسرائيل ولبنان في شأن الحدود البحرية، لكنّ هدفَهم لم يكن ذلك فحسب، بل أن تُبرَم بعدها اتّفاقات بطريقة غير مباشرة بين لبنان وإسرائيل عبر الشركات التي تستورد من البلدين»، مضيفاً: «حُكي بعدها عمّا إذا كان لبنان يَقبل بمرور أنابيب الغاز الإسرائيلية في مياهه التجارية، التي ليست ملكاً له ولكنّه الوحيد الذي له حقّ في الاستفادة منها، وكان الهدف آنذاك تمرير أنابيب إسرائيلية وتمرير أخرى لبنانية لتصلَ إلى تركيا فيستفيد الثلاثة بما أنّ بلداً واحداً لا يَقدر على هذا المشروع، غير أنّ المشروع فشلَ لأنّ إسرائيل بدأت باستخراج غازها، فيما لبنان متَلهٍّ بأمور أخرى».

 

وختمَ الحلو: «الوضع اليوم مختلف، فأسعار الغاز في العالم انخفضَت كثيراً، كذلك حال النفط، والغاز الصخري لم يعُد مغرياً لارتفاعِ كلفتِه مقارنةً مع الغاز الطبيعي».