قبل مرور أسبوع على احتشاد أكثر من 10 آلاف طبيب أمام نقابة الأطباء في العاصمة المصرية احتجاجاً على اعتداء عناصر من الشرطة على أحد الأطباء، حاصر أهالي حي الدرب الأحمر وسط القاهرة مديرية أمن القاهرة، احتجاجاً على مقتل سائق برصاص أحد أفراد الشرطة.
تصاعد وتيرة الأحداث من هذه النوعية، دفع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي للاجتماع بوزير الداخلية اللواء مجدي عبد الغفار خلال مؤتمر «الكوميسا» في منتجع شرم الشيخ، من دون انتظار انتهاء المؤتمر والعودة إلى القاهرة.
السيسي، بحسب البيان الصادر عن مكتبه، أكد خلال اللقاء أن «السلطات الممنوحة لبعض أعضاء الجهات الأمنية إنما تُعنى في المقام الأول بتمكينهم من الحفاظ على أرواح وممتلكات ومصالح المواطنين، بهدف إرساء قواعد الأمن والنظام في البلاد، وذلك في إطار من التقدير والاحترام المتبادل بين الجانبين».
وبرغم تبني الرئاسة رأي الداخلية الذي فسر الانتهاكات دائماً على أنها حالات فردية، إلا أنه رأى «أنه يتعين مواجهة تلك التصرفات بالقانون لوقفها بشكل رادع ومحاسبة مرتكبيها، وهو الأمر الذي قد يقتضي إدخال بعض التعديلات التشريعية، أو سن قوانين جديدة، تكفل ضبط الأداء الأمني في الشارع المصري بما يضمن محاسبة كل من يتجاوز في حق المواطنين من دون وجه حق. ووجه الرئيس بعرض هذه التعديلات التشريعية على مجلس النواب خلال 15 يوماً لمناقشتها».
وشهدت مصر تصاعداً ملحوظاً في حوادث اعتداء عناصر من الشرطة على مواطنين. واتسعت الأحداث لتشمل العديد من المحافظات في الصعيد والوجه البحري ومدن القناة والقاهرة، وتنوعت بين الاعتداء بالضرب والتحرش الجنسي بنساء، وحتى إطلاق النار والقتل. وبينما كانت أخطار الملاحقة الأمنية والانتهاكات في السابق تهدد بالأساس المعارضين للدولة، وكذلك المخالفين للقانون، امتدت لتشمل أي مواطن في أي مكان من دون سبب واضح.
واللافت أن الاحتجاج على ممارسات الداخلية لم يعد يقتصر على النشطاء السياسيين والحقوقيين، ولكنه بدأ يشمل قطاعات لم تكن معنية بالأمر من قبل. فأهالي الدرب الأحمر والأطباء لم يبدأوا تلك الاحتجاجات، إذ شهدت مدينة الأقصر في جنوب مصر، ومحافظة الإسماعيلية احتجاجات شبيهة، فضلاً عن احتجاجات أخفّ في أماكن أخرى.
وإذ تصر الدولة على أن تلك الحوادث ليست سوى تجاوزات لأفراد ولا تتخذ طابعاً منهجياً، يرى حقوقيون أن الانتهاكات والتعذيب سياسة منظمة للداخلية.
وتقول عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان راجية عمران، لـ «السفير»، إنه «لا يمكن أبداً اعتبار كل تلك الانتهاكات مجرد حالات فردية. هناك ظاهرة واضحة تتمثل في اعتداءات الشرطة وانتهاكاتها. هذه الظاهرة كانت موجودة بالفعل، ولكنها تزايدت بشكل غير مسبوق وغير مفهوم منذ تشرين الثاني الماضي. مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف رصد أكثر من 400 حالة وفاة في مقار للداخلية. والاعتداءات تمتد لكل المحافظات، وتقع في الشارع والمواصلات وحتى المستشفيات. الأمر يتجاوز حدود الحالات الفردية، ليصبح ظاهرة متفشية».
وتضيف عمران «الأمر بالفعل يحتاج لقوننة لمواجهة كل منظومة التعذيب. ولكن النص القانوني لا يكفي، يجب إعادة تشكيل وتأهيل مصلحة الطب الشرعي، كذلك الفصل بين جهة الاعتقال والقبض على المواطن، وجهة التحقيق، وضمان حياد النيابة، خاصة في قضايا التعذيب. القانون وحده لا يكفي لأنها ليست حالات فردية، بل ظاهرة في كل مقر للشرطة».
وترى عمران أن «هيكلة الداخلية والأجهزة الأمنية خطوة ضرورية لإعادة صياغة العلاقة بين المواطن والشرطة». وتقول «هناك مشاريع بالفعل لإعادة هيكلة الداخلية مقدمة منذ سنوات، ومطلب هيكلة الداخلية كان أحد أهم مطالب ثورة يناير، كما أن ممارسات الداخلية أحد العوامل التي فجرت الثورة».
وعن التعديلات التي أعلن البيان الرئاسي إدخالها على التشريعات، تقول عمران «نحن في المجلس القومي لحقوق الإنسان لم يصلنا شيء حتى الآن، وسنناقش بالطبع ما جرى في الفترة المقبلة. والدستور ينص على عرض القوانين المتعلقة بحقوق الإنسان على المجلس، وعندما تُعرض علينا سندرسها ونبدي رأينا فيها. وفي كل الأحوال تبقى أهم عوامل هذه الأزمة هي توافر النية السياسية لحلها».
ويجد السيسي نفسه اليوم مضطراً للتدخل في أزمة فجّرتها ممارسات الداخلية، تذكّر بأزمات أخرى اندلعت قبل «ثورة يناير». تدخل حذر، لا يريد به إغضاب الداخلية، ولكنه أيضاً قد يرضي ضحاياها.