ما زالت قصة فقدان الطيّار الإسرائيلي رون أراد، إثر إسقاط طائرته فوق حقل بلدة طنبوريت الجنوبية عام 1986، لغزاً يُحيّر أجهزة الإستخبارات التي تَقفّت آثاره، وأوّلها الموساد الإسرائيلي. لكن ما الذي يعني القضاء اللبناني، وتحديداً المحكمة العسكرية، من هذا الملف اليوم؟أُسقِطت طائرة أراد إثر غارة شنّتها مع طائرة إسرائيلية أخرى فوق مخيّم المية ومية. وفيما نجَت الطائرة الثانية وأنقذت القوات الإسرائيلية مساعد أراد، فُقد الأخير، واتهمت بلاده حركة «أمل» بأسره.

«الحركة» لم تؤكّد ولم تنفِ، فتوالت الروايات المتناقضة عن مصيره، حتى أكّد الامين العام لـ«حزب الله» السيّد حسن نصرالله عام 2006 وفاته وفقدان جثته، من دون توضيح أسباب الوفاة. لكنّ إسرائيل لم تعترف بهذا المصير، وبدأ الحديث عن مفاوضات لتبادُل أراد بأسرى عرب، لتبرُز أسماء قادة في «حزب الله» في الصحف العالمية والإسرائيلية كمفاوضين، فيما طلبت منظمات يهودية ممَّن يعرف عنه شيئاً، بكَشف مصيره مقابل مبالغ مالية ضخمة.

وسط هذه المعمعة دخل أشخاص لبنانيون «على الخط»، يزعمون معرفة مصير أراد، من بينهم 5 متّهمين أمام المحكمة العسكرية الدائمة، هم: جورج الدهان، مهدي الدنف، مفيد القنطار، الياس ضاهر وكارينا الطقش.

وقد اتهموا بالتعامل مع استخبارات العدو الإسرائيلي، وإيهام منظمة إسرائيلية، ومن خَلفها «الموساد»، بحيازتهم أضراس الطيّار الإسرائيلي المفقود وعظامه، بعدما دخلوا في «بازار» لبَيعها، معزّزين الثقة بهم كَون الدنف والقنطار وضاهر كانوا مسؤولين ميدانيّين في «الحزب السوري القومي الإجتماعي» إبّان الحرب اللبنانية.

تحويل الجلسة سرّية

مَثل القنطار وضاهر أمس، أمام المحكمة العسكرية الدائمة، فيما أسقطت الدعوى عن جورج بسبب الوفاة، ويلاحق الآخران غيابياً. ووَسط سَرد شيّق للمعلومات، كشفَ القنطار الملقّب «Boss» تفاصيل مهمة في حال ثبوتها، عن مصير أراد وطريقة «موته»، قبل أن يرمي «قنبلة» حوّلت الجلسة سرّية، إثر إعلانه أنّه كان قد طلبَ تسليم ما لديه من معلومات الى رئيس الجمهورية، فعلّق رئيس المحكمة العميد الركن الطيّار خليل ابراهيم الاستجواب، مُعلناً تحويل الجلسة سرّية وإرجائها الى 20 نيسان المقبل، مُردّداً: «لقد وردَ إسم رئيس للجمهورية فلنحوّلها سرّية... لا نستطيع إكمال الجلسة في حضور الإعلام...».

«مصير أراد... أين أُسِر وكيف مات»؟

وقبل إرجاء الجلسة، كشفَ القنطار أنه خلال تَولّيه مسؤولية في مركز «القومي» في ضهور الشوير، تلقّى عام 1988 اتصالاً من «أبو فراس»، وهو مسؤول هذا الحزب في مركز الفرزل، يفيد بأنّ «الشباب» أسَروا شخصاً وصلَ في ظروف غامضة، وأنّ التحقيقات معه لم تصل الى شيء، وأنه يتكلم لغات عدة «فإذا سألوه بالعربية أجابهم بالفرنسية، وإذا سألوه بالإنكليزية أجابهم بالإسبانية...»، وأضاف أنّ هذا الأسير أفاد بأنه ضابط إسرائيلي أتى من صيدا. «فصَعدتُ الى الفرزل مع عدد من الشبّان من مجموعتي الذين وضعوه في صندوق السيارة وجئنا به الى ضهور الشوير.

لم أره فوراً بل في اليوم الثاني وكان يرتدي لباساً عادياً، لكنّ حاله يُرثى لها من الضرب خلال التحقيق وكان لا يستطيع الوقوف، فطلبتُ من الشبّان أن يزوّدوه بالطعام ويسمحوا له بأخذ حمّام، لأتمكّن من التحقيق معه...». وتابع: «خرجتُ من المنطقة... وخلال أقلّ من 48 ساعة إتصل بي الشباب ليقولوا إنّ الأسير توفي... دخل الحمّام وأطالَ المكوث فيه ثم وجدناه ميتاً».

وأضاف: «طلبتُ أن يُدفن في مكان معروف، فتمّ دفنه في غابة بولونيا». وهنا سأله إبراهيم: «ألم تكن قد حَقّقت معه بعد؟»، فأجابه: «كلا، وفي الفرزل لم يعرفوا هويته لأنه بينما كان أحدهم يُحقّق معه دخلوا إليه ومنعوه باعتبار أنّ الأسير ضابط إسرائيلي. لكن بعد 10 سنوات عندما رأيتُ صورة رون أراد في الإعلام عرفتُ أنه هو نفسه هذا الأسير». وهنا أوضَح «كنّا نقوم بعمليات ضد إسرائيل باسم منظمة «الزوبعة»، فَصعدتُ الى الفرزل وقابلتُ «أبو فراس»، وقلتُ: يجب أن نَنبش قبره».

وهنا قاطعه إبراهيم ليعيده الى موضوع الدعوى فسأل: ما علاقة مهدي والياس وكارين بالموضوع؟ فأجاب: «كفريق، قُلنا: لازم نعمل شي. فوضعتُ رئيس الحزب علي قانصو بالصورة، فقال: أريد أن أصِل الى نتيجة صحيحة. وهنا طلبتُ موعداً من رئيس الجمهورية من خلال ضابط في القصر من دون أن أبلغه بالموضوع نظراً لأهميته». وهنا أوقفَ ابراهيم الجلسة، وقرّر استكمال الإستجواب في جلسة سرّية.

بَيع الموساد «الأعضاء» بين تايلاند وبيروت

إذا كان القنطار، خلال إفادته غير المكتملة، لم يذكر شيئاً عن مضمون الدعوى على رغم المعلومات المُلفتة التي أدلى بها، فإنّ ضاهر أدلى بدَلوه عن بَيع أعضاء بشرية بين تايلاند وقبرص وبيروت. وأشار ضاهر الى أنّ الدهان هو إبن عمة عماد القسيس رفيقهم في «القومي»، والأخير أبلغه أنه قام بحراسة أراد في ضهور الشوير، وسألني إذا كنتُ أريد أن أدخل في موضوع أراد، فسألته: ماذا يكون مصيري؟

عندها أجاب: «لا تخف في معنا قَصرَين جمهوريين في لبنان وسوريا. قلت: سأبدأ بالموضوع. فأعطاني كيساً فيه أضراس، وبعد ذلك قال إنها غير صحيحة، فاسترجَعتها من الدهان وأرجعتُ إليه 1200 دولار. وبعد موت عماد قال لي مهدي: إذا بَدّك أنا بجِبلَك أضراس. ثم أعطاني عظمة مقابل شيك بـ 3 آلاف دولار، ليتبيّن لاحقاً أنها غير صحيحة.

وتابع انه ذهب الى تايلاند بدلاً من الدهان الذي «طلب منّي الحلول مكانه بحيث التقيتُ في «نانا ستايشن» هناك شخصاً تحدّث العربية «مكَسّرَة»، وقال انه من قبل الدهان، وسلّمني عظمة مقابل 3 آلاف دولار وطلبَ دفع 500 دولار إضافية لفَحصها، لكن لاحقاً أبلغني الدهان أنها غير صحيحة».

ولفتَ إلى أنّ ابن خاله ميلاد يونس عرّفه الى كارينا، وقال إنها لبنانية وزوجها قبرصي (كاهن)، وأنها تعمل في منظمة إنسانية تتابع موضوع أراد، وهي مستعدة لدفع 10 آلاف دولار مقابل الأعضاء البشرية وصورة لـ أراد. فالتقيتُها في قبرص، ودفعَت 12000 دولار أعطيُتها لمهدي وقبضتُ 1000 دولار، لكنّ الصورة والعظام كانت غير صحيحة.

وهنا، أشار الى أنّ يونس عرّفه الى الـBOSS الذي اجتمع معه ومع مهدي في مطعم في شارع الحمراء. قال مهدي إنه سيعطيني 3500 دولار وسيعطي مفيد 5000 دولار ويأخذ الباقي، واتفقنا أن لا تعرف كارينا أننا نعيش في لبنان. فسأل ابراهيم: «ليش؟ حتى يظبَط الضرب؟» فنفى قائلاً: «كنتُ مقتنعاً بأنّها عظام صحيحة».

يذكر بأنّ زوج كارينا كان قد سَلّم العظام والصورة الى سفارة إسرائيل في قبرص، من دون أن يعرف أنها غير صحيحة.