منذ إغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري في 14 شباط 2005 والمشهد السياسي في البلد منقسم بين معسكري 8 و14 آذار. هذا المشهد شابه الكثير من التقلبات والصراعات وكان كلا الطرفين يحاضر بالوطنية والمشروع العابر للطوائف. فالوطنية كانت ببساطة بنظرهم رؤية معمم سني موجود في 8 آذار و معمم شيعي في 14آذار.

 

  كانت المعركة الحامية بين قطبي الصراع وخصوصا تيار المستقبل و حزب الله هي لتسجيل خروقات في ساحة كلاهما لتأمين شرعية ووطنية لخطابهما.

 

سجل حزب الله في هذا التنازع نقاط تحسب له فقد إستطاع إختراق قواعد السنة وإستمالة أحزاب سنية ذات وزن لها ودعم أحزاب أخرى وخلق حالات سياسية في الوسط السني. أما تيار المستقبل فإستمال بعض الشخصيات والمثقفين والأحزاب ولكن لم تكن تتمتع بالثقل الشعبي . فبدت الصورة على طول الصراع بين الطرفين ضعف تمثيلي للشيعة في حركة 14آذار مقابل حالة سنية مقبولة نوعا ما عند 8 آذار. والغريب بالموضوع هو هذا الضعف التمثيلي والمسؤول عنه.  عند طرح هذا التساؤل ترى أجوبة مختلفة وأبرزها نية لدى حزب المستقبل بعدم الذهاب بعيدا في إستفزاز الثنائية الشيعية وحصر الموضوع بالطلات الإعلامية.

 

فاللعبة الطائفية في لبنان جعلت حصة الشيعة محصورة في الثنائية لأنهما يمثلان الأكثرية الشعبية وسط شيعة لبنان. أيضا هناك نظرة إلى شيعة 14 آذار بأنهم كماليات في مشهد إنتفاضة 14 آذار 2005  وليس من صلبه، لذلك لم تلق الدعم الكافي على كافة المستويات لإيصالها إلى مراكز القرار.

 

وبالمقابل لا يمكن أن نغفل عن واقع هذه القوى الشيعية المتحررة من قيود الثنائية، فهذه القوى تنوعت ما بين أحزاب وشخصيات ونخب ثقافية وإعلامية إلا أنها لم تستطع أن تقدم مشروع وطني متكامل يوازي ما تطرحه الثنائية فهي تفتقد إلى الرؤية الواضحة والخطة الجيدة ما حولها مع الوقت إلى مجرد منابر إعلامية وظيفتها الرد على خطابات الثنائية الشيعية في كل مناسبة، أضف أنها لم تستطع أن تتوحد ضمن إطار أو لقاء سياسي واحد فالخلافات موجودة ضمنها ما يفقدها وحدتها وعملها وقوتها في الوقوف في وجه الثنائية.

 

لقد تحولت هذه القوى إلى ظاهرة إعلامية لا ثقل شعبي وازن تفتقد إلى القيادة والمرجعية لكنها كانت تزعج. كانت مزعجة وخصوصا لحزب الله، فالإعلام ضروري أيضا ويأخذ مساحة واسعة في وعي الناس ويخلق حالة إرباك في بيئة الحزب ما أدى إلى إطلاق لقب:" شيعة السفارة"  عليهم في إحدى المناسبات وهذا اللقب ما كان ليطلق لولا حجم الإزعاج الذي حققته هذه القوى. إذا ضمن قواعد لعبة الإزعاج راهن سعد الحريري على هذه القوى ولم يتأمل منها أكثر من ذلك.

 

وجد فيها مصدر للمضايقة الإعلامية وحد أدنى من الغطاء الشيعي لمشروعه. لكن ما هو ملفت في خطابه في الذكرى 11 لإغتيال والده هو مخاطبته للعقل الشيعي. قد تكون خيارات الرجل إتجاه هذه القوى قد تغير ولكنه إحتمال صغير فهو يجد فيها قوى تريد السلطة لا أكثر ولا تمتلك مشروع واقعي يمس شعور الشيعة. لذلك خاطب عقلا شيعيا هذه المرة يبحث عنه بعد تجربة مريرة عايشها منذ 14شباط 2005. فمنذ ذاك التاريخ كان سعد الحريري يراهن على  نبيه بري التي تجمعه برفيق الحريري علاقة جيدة. لم يكن نبيه بري عدائيا إتجاه سعد الحريري الذي يشترك معه بنفس أدبيات السياسة فكلا الرجلين طموحهما الأقصى لبنان وإتفاق الطائف. حاول مرارا أن يستميل نبيه بري إلى صفوفه لكنه فشل.

 

فشل لأنه لم يعرف مدى حجم التحالف الذي يربط حزب الله بحركة أمل وفشل لأنه لم يلعبها بالطريقة الصحيحة. وعلى الرغم من الفشل إستطاع الإثنان تحقيق حالة من الثبات في العلاقة بينهما لم تصل إلى درجة القطيعة النهائية. فتحول الرئيس بري إلى ممارسة دور الحكم في الخصومات التي كانت تجري بين حزب الله والمستقبل. رضي الحريري بهذا الدور لكنه لم يقتنع. خطابه في ذكرى أبيه يوحي بشيء آخر، لا زال يراهن على عقل شيعي بوزن نبيه بري