عن الانعكاسات المحتملة لعودة "الحرب الباردة" بين روسيا وأميركا، على ما لوّح رئيس وزراء الأولى ميدفيديف في مؤتمر ميونيخ، يتحدّث متابع من واشنطن للعلاقة بينهما، فيقول إنه من السابق لأوانه الخوض في تفاصيلها لأن الإشارة الحديثة إليها قد تكون نوعاً من المبالغة. لكنه يقول في الوقت نفسه إن إهتمام واشنطن بالعودة الملوّح بها أمر ضروري، ذلك أن من عادتها التحسُّب للأخطار قبل وقوعها، وهذا كان أحد أسباب كسبها "الحرب الباردة" الأولى مع الاتحاد السوفياتي. فضلاً عن استفزاز موسكو وإظهار رئيسها بوتين أنه لا يتورَّع عن التورّط في حروب، وإن كانت مستفزّة لدولة عظمى ولدول كبرى تفوق قدراتها العسكرية والمالية والتكنولوجية إمكانات بلاده مرّات عدّة.
إنطلاقاً من ذلك يعتقد المتابع نفسه أن ما يركّز عليه المسؤولون الأميركيون هو كيف ستؤثّر عودة "الحرب الباردة" على سوريا ونظام الأسد وعلى العنف داخلها. كما هو ماذا ستكون مضاعفات ذلك كله على إيران واسرائيل وخصوصاً إذا ما تأكدت هذه العودة. وهل ستكون إيران جزءاً منها إلى جانب روسيا؟ وهذا أمر محتمل لأن الاثنتين متحالفتان في سوريا ولأن الأولى تتزود بفلوسها طبعاً بكل ما تحتاج إليه من أسلحة وذخائر من الثانية. وأخيراً هل تستطيع إيران هذه أن تتحرّك حياديّاً بين موسكو وواشنطن في حربهما الباردة؟ أما إسرائيل فانها جزء من التحالف الروسي – الإيراني – السوري بحكم الأمر الواقع، وليس رسمياً، ورغم ذلك فإنها لا تشكّل مصدر إزعاج للإدارة الأميركية. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: ماذا تفعل إسرائيل إذا تأكّدت أن عودة "الحرب الباردة" ليست تهديداً، وأنها صارت أو ستصير حقيقية، وأنها ستكون مقدّمة لموجة مغامرات روسية لا بد أن تكون عواقبها وخيمة؟ علماً أنها ستكون، إستناداً إلى معلوماته، الرابح الأكبر في المنطقة. فهي عارضت دائماً أي منذ بدء "الربيع السوري" تغيير نظام الأسد وربما تتحقّق إرادتها هذه. وهي على انسجام وتعاون مهمّين مع روسيا. فضلاً عن أن رؤيتها "جيرانها الأعداء" يتذابحون أمر يفرحها. وفي هذه الحال فإن الخاسر الأكبر سيكون الفلسطينيون. فقضيّتهم طواها أو يطويها حالياً النسيان. وذلك سبب إضافي لسعادة إسرائيل وزعيمها الحالي بنيامين نتنياهو.
في أي حال يرى المتابع نفسه أن الوجود العسكري والسياسي المباشر لروسيا في سوريا أمر غير مسبوق. فهو يمكن أن يوصف بالاحتلال أو الامتلاك. ثم يتساءل ماذا يمكن أن تفعل موسكو المتأذّية كثيراً من الانخفاض الكبير في سعر النفط، وكذلك طهران الموجودة مثلها وعلى نحو أوسع في سوريا والمتأذيّة من الانخفاض نفسه؟ وهل تشتركان معاً في محاولة زعزعة استقرار المملكة العربيّة السعوديّة فتذهب إيران إلى حد محاولة احتلال أجزاء منها في الوقت الذي تكون الجيوش الروسية متوجّهة لاحتلال دول البلطيق الثلاث؟ طبعاً قد يعتبر كثيرون هذه الأسئلة نوعاً من الألعاب. لكنها ليست كذلك وخصوصاً عند الدول الكبرى المعروفة بالدقة والتخطيط المسبق ومحاولة استقراء المستقبل ووضع خطط وبدائل منها لمواجهة تطوّراته، ويظهر ذلك عملياً مدى خطورة الوضع في رأي الأميركيين. وذلك لا يعني في ظل استمرار التفاوض والحوار بين موسكو وواشنطن ومع إيران والمملكة العربية السعودية ونظام الأسد ومعارضيه وقطر وتركيا والأمم المتحدة وأوروبا، لا يعني أن المُتخوّف من حصوله صار حتمياً. علماً أن الفجوات بين مواقف كل الأطراف المشار اليها لا تزال موجودة وهي كبيرة. وهذا أمر جيد يُصلّي الجميع وفي مقدّمهم واشنطن لاستمراره. وعلماً أيضاً أن بعضاً من المعنيّين في هذه الدول يعتقد أن تهديدات روسيا المستمرّة تهدف إلى أمر واحد هو رفع قسم من العقوبات المفروضة عليها جرّاء "اعتدائها" على أوكرانيا واستمراره في مقابل إظهار شيء من المرونة في الموضوع السوري. إلاّ أن هذه "الحيلة" غير متوقّع، كما يسمّيها المتابع الأميركي نفسه، أن تنجح وخصوصاً في ظل تزايد اقتناع الغرب، بشقّيه الأميركي والأوروبي، بأن نظام الأسد وروسيا بوتين يريدان استعادة العاصمة الثانية لسوريا حلب، وتحرير مدن ومحافظات أخرى أو المدن والمحافظات الأخرى لاحقاً.
ماذا يجري في سوريا الآن؟ وما هي سوريا المفيدة؟ وإلى أين يوصل تركيز الجميع على القضاء على "داعش"؟ وماذا يحصل للسعودية؟ وكيف تفكّر إيران في التطوّرات الحالية؟