«نحن عرب» هو «مفتاح» خطاب سعد الحريري الذي هو «جوهرة» إرث الشهيد رفيق الحريري له وللبنانيين. وإذا كان التأكيد على «عروبتنا» ليس جديداً، لكنه يبدو في هذه المرحلة التي يعيشها لبنان والمنطقة من الخليج الى المحيط ضرورياً وملحّاً للبناء عليه، للدفاع ضد الهجمات على المنطقة من كل الجهات وضد كل الجهات. لذلك لا يمكن تجاهلها، ومن المستحيل ألا يسمع «رعدها»، من الشمال الى الجنوب، ومن الشرق الى الغرب!

لم يبقَ أحد يملك طموحاً أو حساباً إلا وهاجم المنطقة العربية، محاولاً استباحتها «والسباحة» في بحر دماء أجيال عديدة من شبابه للبناء على ركامها. ما كاد الشباب العربي يقرعون «أبواب» الحرية والكرامة والعيش الكريم، حتى وقعت الهجمات الضارية وكأنهم لا يستحقون أن «يزهر الربيع» على مساحة أوطانهم وليس «الميادين«.

في لبنان عمّدت دماء الشهيد رفيق الحريري ومعه كوكبة شهداء 14 آذار، «الربيع» قبل أن يشعل بوعزيزي جسده بنار طموحه للعيش بكرامة. إحدى عشرة سنة ولبنان يتلقى الضربة تلوَ الضربة ولم يتراجع اللبنانيون حتى إذا اقتربوا من «لبننة» انتخاب رئيس للجمهورية، عاد «الكابوس الأسدي» يعمل للهيمنة على لبنان، بقوة واندفاع من لا يحسب حساباً لشعبه فكيف بشعب شقيق مجاورٍ له؟!.

الأسوأ، ان إيران، التي وقف اللبنانيون مع ثورتها ووضعوها مثالاً للثورات الشعبية والفرح بهذا الحليف القادم، للمشاركة في تحرير فلسطين عاجلاً أم آجلاً، إذ بطموحات خارجة من «جراح التاريخ« تخرّب كل شيء وتقحم المنطقة كلها وبمساندة ومشاركة أصولية ترفض كل العصر، تزرع الصراعات والحروب المذهبية. إيران أو بالأصح «النظام الخامنئي» شريك فعلي في فرض الفراغ الرئاسي، الذي يستنزف الدولة اللبنانية والاقتصاد اللبناني، بعد أن اُستنزف «حزب الله« والمقاومة التي حررت الجنوب المحتل، سياسياً وفكرياً ومذهبياً ونضالياً وكلفته من القتلى في سوريا حتى الآن ما يعادل عدد الشهداء الذين سقطوا في أشرف معركة لتحرير الجنوب. مهما حاولت إيران وحزب الله، تبرئة نفسيهما من فرض الفراغ، فإنه يكفي لتأكيده، الإصرار على ميشال عون رئيساً أو لا أحد مع أن سليمان فرنجية ليس من 14 آذار.

تبقى سوريا «أمّ« الحروب في المنطقة وكوارثها. ما جرى في سوريا وما يجري فيها منذ نحو خمس سنوات (في 11 آذار تكمّل سوريا عامها الخامس في الجحيم)، نكبة تعادل النكبة الفلسطينية. يدعو «النظام الخامنئي«، الى «ترك الشعب السوري يقرر مصيره». لا شك في أن هذه الدعوة البريئة تحوي كل سموم «المشروع الامبراطوري» الذي يريد المرشد آية الله علي خامنئي تركه إرثاً للإيرانيين. والسؤال هو: ما علاقة المرشد خامنئي بسوريا العربية وشعبها العربي في فرض قراره بالمحافظة على الأسد عبر إرسال جنرالاته للقتال ومعهم عشرات الآلاف من الميليشيات الشيعية الذين يحفرون عميقاً في الذاكرة الشعبية السورية (السنية) حكايا ووقائع الانخراط الشيعي الى جانب الأسد على أرضهم وفيها وضد شعبها مما أنتج سقوط مئات الآلاف من القتلى، وملايين الجرحى والنازحين، وأجيالاً كاملة من الأطفال بلا عائلات وتعليم؟!.

النكبة الفلسطينية، خلقت شعباً مقاتلاً ومناضلاً صامداً، استنبط من الحجر سلاحاً، ومن شجاعة مراهقيه و»سكاكينهم» مقاومة لم يعرف العالم مثلها. أما «النكبة» السورية فإنها ضخت الدماء والأحقاد في الارهاب الأسود المستولد من أصولية جرى لخدمتها تزوير إسلام سموح جاء ليقيم العدل والمساواة، والأخطر أن كل يوم حرب إضافي يدفع بالسوريين أكثر فأكثر للاندماج في هذا الإرهاب الأسود الى أن يأتي يوم يكون فيه «داعش» تنظيماً قزماً لا شيء أمام «وليده» المرعب.

هذه هي المكونات الداخلية للنكبة حتى لا يقال إننا سقطنا نتيجة مؤامرات قاتلة، لكن هذا لا يعفي من مسؤولية القوى الدولية الكبرى، خصوصاً موسكو و»القيصر» فلاديمير بوتين، وواشنطن «وأخبث» رؤسائها باراك أوباما. «القيصر» يريد أن تستعيد روسيا قوتها حتى لو كلّفه ذلك تحويل «الحرب الباردة الثانية« الى حرب ساخنة. بوتين لا يهمه الشعب السوري ولا بشار الأسد، ما يهمّ «القيصر» مجد «الامبراطورية». بعض ما يريده «القيصر» المساواة مع أميركا والعودة الى الثنائية بحكم العالم وإدارته، وهو يريد الكثير من أوكرانيا الى نفط وغاز الشرق الأوسط، والأنابيب التي تضخ الثروات والنفوذ.

أما باراك أوباما، فإنه منذ البداية خاض «الحروب»، دون أن يخسر جندياً أو دولاراً واحداً. مع بوتين يعمل على استنزاف كل القوى الاقليمية وفي طريقه الى ذلك، يستنزف روسيا بحيث يصل «القيصر» الى طاولة المفاوضات وهو أكثر ليونة وتقبلاً لدفع الأثمان. أوباما وهو ينفذ هذه السياسة، يعرف أن «ساعة الرمل» تكاد تنتهي بالنسبة له، لذلك سيتابع سياسته ليسلم العالم كله لخليفته المنتخب، مجموعة من الضعفاء ووحده القوي.

تحويل «رعد الشمال» من «مناورة» الى جبهة تصيغ من وحدتها وقوتها، حضوراً فاعلاً ومؤثراً على طاولة المفاوضات القادمة عاجلاً أم آجلاً، هو الذي ينقذ الأمة وعروبتنا.