تتسابق الأحزاب الدينية في العراق إلى تقديم بدائل مقترحة لرئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي إثر الدعوات المتصاعدة للتغيير الحكومي المعلن منذ أسابيع.

ويأتي اندفاع الأحزاب الدينية بعد أن أعلن ممثل المرجع الديني الأعلى آية الله علي السيستاني التوقف عن إلقاء الخطب السياسية بسبب يأس المرجعية الدينية من إمكانية إحداث تغيير في الوضع السياسي الراهن في العراق.

وبدا واضحا أن الطريق صارت ممهدة لدخول أصحاب العمائم الصغيرة إلى حلبة السباق، باعتبارهم رواد تغيير “حسب الطلب”، في ظل ما يشهده العراق من دعوات لإنقاذ الوضع الاقتصادي من خلال إقامة حكومة تكنوقراط، تبنى تشكيلها العبادي.

ويقف رجلا الدين الشابان مقتدى الصدر وعمار الحكيم في مقدمة المتحمسين لإعادة تشكيل الحكومة، وهو ما يشير إلى وقوع سباق بين الأحزاب لقطف ثمار ذلك التغيير قبل فوات الأوان.

وما رشح من أسماء لتسلم الوزارات في المرحلة القادمة يؤكد أن التغيير المنشود لن يخرج عن إطار المحاصصة. وهو ما يعني أن الدرس الذي انطوى عليه صمت المرجعية لم يحدث التأثير المطلوب.

وتؤشر المسافة التي تفصل بين المتصارعين على حصص المرحلة المقبلة تباينا لافتا في طريقة النظر إلى عناصر وأدوات التغيير في تلك المرحلة، من غير أن تتم الإشارة إلى مشروع اقتصادي، يكون في إمكانه أن يبعد شبح الإفلاس عن الدولة العراقية.

 

وفي هذا المجال تأتي إشارة رئيس المجلس الإسلامي الأعلى وزعيم كتلة المواطن البرلمانية عمار الحكيم إلى أن الحكومة المقترحة يجب أن تعكس خيار الشعب لتكون بمثابة تحذير لرئيس الوزراء حيدر العبادي من مغبة الذهاب بعيدا في خيار التكنوقراط الذي قد يتعارض مع نظام المحاصصة، وهو النظام الذي يؤكد سياسيو العراق على دستوريته، من غير أن تكون هناك فقرة واحدة في الدستور تشير صراحة إليه.

ويسلط خلو تصريحات المسؤولين وزعماء الكتل السياسية من الإشارة إلى الفساد وسوء الإدارة الضوء على احتمال أن يكون المشروع الأمني بديلا للمشروع الاقتصادي الذي يعول عليه العبادي من أجل إنقاذ حكومته من السقوط. وهو ما يعني أن الضغوط التي مارسها زعماء ميليشيات الحشد الشعبي على رئيس الوزراء قد نجحت في إحداث تأثيرها المطلوب، في مواجهة طلب أميركي سابق بحل الحشد الشعبي أو على الأقل إبعاده من ساحات القتال.

ففي ما يتعلق بالأزمة الاقتصادية اقترح الحكيم أن يُصار إلى شرح الواقع الاقتصادي من غير تخويف الناس. فالعراق من وجهة نظره بلد تنقصه السيولة وليس مفلسا، محملا القيادات المجتمعية مسؤولية التصدي لمن أسماهم بأصحاب الخطاب المتشنج من كلا الطرفين الذين يبحثون عن مصالحهم الشخصية.

وكما يبدو فإن الانقسام في وجهات النظر بين التيارات السياسية المنضويــة في إطار التحالف الوطني (الشيعي) الحاكم يشير إلى صراع على المصالح، من غير أن يصل إلى مستوى الاختلاف في النظر إلى التغيير، باعتباره محاولة صورية لإعــادة إنتاج النظام القائــم على المحاصصة بين الأحزاب السياسية القائمــة والتي هي جزء من المشكلة.

لكن ذلك لن يكون كل شيء. فمقتدى الصدر وهو زعيم تيار الأحرار البرلماني كان قد تحدث قبل أيام عن خطة إنقاذ اقتصادي، لم تحظ بالتعليق أو الاهتمام من قبل زعماء التحالف الوطني الذي تنتمي إليه كتلته. وهو ما قد يمهد لوقوع صراع مكشوف بين أصحاب العمائم الصغيرة، برعاية الحشد الشعبي، تكون حكومة التكنوقراط ضحية له.

وعلق مراقب سياسي عراقي بقوله “إن الفساد وسوء الإدارة لم يجتذبا ما يكفي من الانتقادات طالما كانت الدولة قادرة على فرض وضع أمني معقول ووضع مالي مقبول شعبيا يعتمد على أن الملايين من العراقيين يعملون كموظفين في القطاع الحكومي، وأن التغيير لم يحصل إلا بعد سيطرة داعش على محافظات كاملة وانهيار أسعار النفط مما أدى إلى الوصول إلى حافة الإفلاس”.

 

المصدر: العرب