قبل نحو أسبوع رعَت قطر اجتماعاً في الدوحة بين وفدَي حركتي «فتح» برئاسة عزام الأحمد و«حماس» برئاسة موسى مرزوق. حصلت «الجمهورية» على أهمّ النقاط التي دار في شأنها التفاوض، وقد جاءت وفق الآتي:

أولاً - توقفت المفاوضات خصوصاً عند تقاسم السيادة الامنية الفلسطينية على معبر رفح الذي يؤمّن لقطاع غزة طريق الإمدادات الأساس اليها من مصر.

والواقع أنّ التفاوض على هذه النقطة شهد تدخلاً قطرياً وتركياً غير مباشر في الأروقة، وذلك لجعل «فتح» تُوافق على وجهة نظر «حماس» في شأنها. وخلص النقاش الى تبنّى وفدي «فتح» و»حماس» صيغة حلّ تقضي بأن يتسلم أمن الرئاسة في السلطة الوطنية الفلسطينية الإشراف على معبر رفح، فيما تتولّى «حماس» لوجستياً تسييرَ الأمور فيه.

ولكن هذا الحلّ لن يكون نافذاً إلّا بعد موافقة المصريين عليه، ولذلك تمّ الاتفاق أيضاً على أن يوجّه الرئيس محمود عباس رسالة إلى القاهرة خلال الايام المقبلة لإبلاغها مضمون اتفاقه مع «حماس» وحضّها على الموافقة عليه إيذاناً بتدشين مرحلة جديدة من العلاقة بين غزة والقاهرة، تُنهي حالَ القطيعة بين «حماس» في غزة ومصر لمصلحة ترتيب وضع معبر رفح وفق صيغة ثلاثية تضمّ السلطة و«حماس» والقاهرة تشرف على تنظيم عبور الاشخاص والإمدادات عبره في الاتجاهين بين غزة ومصر.

وتستبعد مصادر في «فتح» أن توافق القاهرة على هذه الصيغة، لأنّ القيادة المصرية معنية بوجود أمني إشرافي غير شكلي للسلطة الوطنية الفلسطينية في معبر رفح، وهي تريد أن يصبح المعبر خاضعاً بنسبة كبيرة لمراقبة مشتركة بين السلطة الفلسطينية في داخله، وبين المخابرات المصرية في خارجه، فيما تصبح «حماس» جزءاً من معادلة أمن معبر رفح، وليست هي المشرفة الرئيسة على المجريات اللوجستية لحركة انتقال البضائع والأشخاص في الاتجاهين من والى غزة ومصر.

وتقول مصادر واكبت مفاوضات الدوحة إنّ النقاش في شأن معبر رفح، تحكمت به استراتيجيتان، الاولى يريدها الرئيس الفلسطيني وهدفها تقديم تنازل لـ«حماس» يضمن لها بقاء الإشراف اللوجستي على المعبر، في مقابل أن توافق الأخيرة على دخول حكومة وحدة فلسطينية تضمّها الى «فتح».

وما يريده عباس من هذه الحكومة في هذه المرحلة ليس إعادة توحيد منطقتي السلطة الوطنية وغزة، بل استخدامها مظلة سياسية تقدّمه في اتصالاته الخارجية بصفته رئيساً لكلّ الشعب الفلسطيني وكلّ تلاوينه السياسية. أما «حماس» فهي تريد من تقديم التنازل بشأن مشاركتها في حكومة وحدة وطنية لا تؤدي الى إعادة غزة سياسياً لحضن سلطة رام الله، مبادلته بتنازل من عباس يترك بموجبه الامرة اللوجستية لها في معبر رفح.

والواقع أنّ مفاوضات الدوحة أظهرت انسجاماً بين هاتين الاستراتيجيّتين أو هذين التكتيكين، كونهما يتقاطعان عند نقطة أنّ عباس يريد حكومة وطنية شكلية تمنحه صفة أنه يتكلم بإسم كلّ فلسطين في الخارج، فيما تريد «حماس» تشريع سيطرتها على معبر رفح لتدعيم دويلتها في غزة.

لكنّ إيجابيات مناخ التلاقي التكتيكي لطرفي النزاع الفلسطيني في مفاوضات الدوحة يصطدم بعقبة أنّ تجسيده بإتفاقات على الارض غيرُ متاح الآن، كون الظروف الاقليمية والدولية غير ناضجة لمواكبته، واهتمامها منصبّ على قضايا اخرى.

النقطة الثانية التي تركزت عليها محادثات الدوحة، تمثلت في محاولات «حماس» إقناع وفد السلطة الفلسطينية بأن تدرج على ملاكها نحو ٥٠ الف موظف فلسطيني يعملون في مصالح عامة في قطاع غزة.

وتمّ رفع هذا المطلب الى الحكومة الفلسطينية في رام الله لدرسه، ولكن من غير المتوقع الموافقة عليه. إذ تشكو سلطة رام الله في الأساس من أنها تدفع رواتب نحو٧٠ الف موظف يعملون في غزة على رغم أنهم ينفّذون أوامر إدارية تصدرها حكومة «حماس»، كذلك تدفع رام الله موازنات قطاعات النقل والمواصلات والوقود في غزة، وترى أنّ مسؤولية دفع هذه الموازنات تقع على اسرائيل بصفتها الدولة التي لا تزال تعتبر محتلة بنحو مباشر أو غير مباشر.

النقطة الثالثة في محادثات الدوحة أثارتها «حماس» التي تريد موافقة السلطة الوطنية الفلسطينية على دمج الاجهزة الامنية، لكنّ رام الله ترفض ذلك كونها تمسّ بالعقيدة القتالية الجديدة للأجهزة التي تمّ بناؤها بعد أوسلو، وهي تقوم على مفهوم الدولة وليس الثورة، وعليه سيكون صعباً وغير عملي إشراك عناصر تتبنّى عقيدة الثورة في أجهزة تعمل وفق منطق الدولة والتعاون الامني مع اسرائيل لضمان استقرار المناطق الخاضعة للسلطة الفلسطينية التي تنتهج مقولة النضال السياسي لإحقاق المطالَب الفلسطينية وليس مقولة الجهاد بحسب «حماس».