ما أطلق عليه بالربيع العربي والذي أحيا للحظة أمام المواطن العربي املأ بإمكانية إنطلاق ثورات اجتماعية ضد الأنظمة المستبدة لقلبها عن مراكز الحكم بغية إحداث تغييرات جوهرية في حياة المواطن العربي على كافة المستويات تبدأ ببث روح جديدة باللعبة الديمقراطية لأحيائها في المفاصل الانتخابية لتصل إلى تحسين مستوى معيشة المواطن العادي مرورا بمواكبة التطور التكنولوجي في العصر الحديث الذي يجتاح العالم بصورة مذهلة.

إلا أن هذا الربيع لم يكن في واقع الأمر غير تدمير ممنهج للثروات العربية وضرب المؤسسات في معظم الدول العربية وخصوصا المؤسسات العسكرية والأمنية. وتخريب اقتصاد هذه الدول وكل البنى التحتية فيها.

على ان أخطر ما في هذا الحراك العربي أنه ضرب المجتمعات العربية وحولها إلى عصابات مذهبية واقاليم طائفية وقومية. الأمر الذي زاد من تشرذم العرب وتفتيتهم حتى وصلت الأوضاع بهم إلى العيش حال إحباط ويأس لدرجة الهروب إلى المجهول وركوب أمواج البحار والمحيطات بحثا عن ملجأ او حضن يأويهم ويطمئنهم من خوف ويؤمن لهم لقمة عيش كريمة. فهذا هو حال أي مواطن بعد خمس سنوات من تسونامي عصفت بكل القيم والركائز والمؤسسات وقضت على ما بناه الآباء والأجداد لمئات من السنين واكلت الاخضر واليابس.

والمعضلة الكبرى لا تكمن فقط في تدمير الحجر بل في تدمير البشر وقطع صلة الرحم بين الأهل والإخوة وأبناء الوطن الواحد من قتل وتهجير وتشريد ونزوح وفقر وجوع ومرض وحقد ونقمة وخوف ورعب وأجيال بكاملها تم تدميرها. فهناك أطفال بلا علم ولا دواء ولا غذاء ونساء لا معيل لهم يرزحن تحت سيف الحاجة والشرف والترهيب والآمال التي كانت تعقد على الدول العربية النفطية والتي كانت تقدم الدعم في كل مرة تتعرض فيها دول عربية لأزمة. فإنها تعاني من مشاكل كبيرة وكثيرة بينها انهيار أسعار النفط وتشعب مسؤولياتها إضافة إلى آثار حرب اليمن وكلفتها الباهظة على دول التحالف بقيادة المملكة العربية السعودية والتي تخوض غمار هذه الحرب على كافة الأراضي اليمنية الواسعة والتي ستكون معنية بأعمار اليمن قبل غيرها لأسباب استراتيجية وأمنية. وعليه سيتوجب على كل طرف عربي ان يقلع شوكه بيديه أي أن يعتمد على نفسه وعلى امكاناته الذاتية.

والتطور الأبرز والمثير للاهتمام والذي حدث بموازاة الربيع العربي هو توصل إيران والدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية إلى اتفاق لحل أزمة الملف النووي الإيراني متناسية عداء الشيطان الأكبر ومتلافية حروب كانت قد تؤدي لو اشتعلت إلى تدمير كل مقومات الحياة في المنطقة. والمشكلة الكبرى تكمن في أن غالبية العرب لا يقدرون مخاطر ما آلت إليه أوضاع المجتمعات العربية والتحديات السياسية والعسكرية التي تتهدد الكيانات العربية، فلا زال كل طرف عربي يحمل الطرف الآخر مسؤولية الانهيار ويمضي العرب حياتهم في الأحلام والتنظير حول إصلاح العالم كله وتغيير الواقع المؤسف بالكلام والشعارات البراقة والتهديدات الفارغة...