ينعقد مجلس الوزراء بعد غد الاربعاء في جلسة يتضمّن جدول أعمالها بندا وحيدا: الوضع المالي للدولة. هذا الاجتماع يأتي في ظروف صعبة، تحتاج فيها الخزينة تأمين ايرادات اضافية لتحاشي الاسوأ، بعدما أظهرت نتائج العام 2015 أرقاما مُقلقة، في غياب مستمر للموازنة. استفز المشهد السوريالي الذي رسمته الحكومة للوضع المالي المواطنين كافة، خصوصا عندما قيل في البداية، ان العائق امام اجراء الانتخابات البلدية في موعدها يكمن في عدم القدرة على توفير اعتمادات مالية لاجرائها.

هذا الموقف كان بمثابة علم وخبر للناس مفاده ان دولتهم لم تعد قادرة على ممارسة نظامها الديمقراطي بسبب شح الاموال! وتذكّر كل مواطن في تلك اللحظة مزاريب الهدر والفساد التي بلغت مستويات غير مسبوقة رغم ان الوضع المالي المتراجع، يجب أن يحدّ من نهم الفاسدين لسرقة المال العام.

بعد إقرار اعتمادات الانتخابات البلدية، كاشف وزير المالية علي حسن خليل رئيس واعضاء الحكومة بحقيقة الوضع المالي للدولة: لسنا قادرين على انفاق اي قرش اضافي من دون تأمين ايرادات، لأننا نصبح في مواجهة خطر الافلاس.

جاءت الانتخابات البلدية ومعها مسألة متطوعي الدفاع المدني في توقيتها الصحيح بالنسبة للحكومة، لأن الوضع المالي على حقيقته كان شبه معروف من قبل الجميع، باستثناء من أصابه عمى البصيرة.

والاقتراح الذي قدمه الرئيس فؤاد السنيورة على طاولة الحوار بزيادة 5 آلاف ليرة على صفيحة البنزين، لم يكن يهدف الى تأمين ايرادات لتنظيم الانتخابات البلدية، ولا الى تمويل تثبيت متطوعي الدفاع المدني، بل كان يهدف الى منع وصول المالية العامة الى مرحلة الافلاس في 2016.

صحيح ان هذا الاقتراح حاز على كمية وافية من الانتقادات الشعبية وربما الوزارية، لأنه يستسهل مد اليد الى جيوب الناس لأخذ الاموال، لكن الصحيح ايضا انه عكس واقعا مزريا، ومشكلة واقعية سوف تظهر مفاعيلها قريبا ولا علاقة لاعتمادات الانتخابات او تثبيت متطوعي الدفاع المدني بها.

في مراجعة بعض أرقام نتائج 2015 يتبين التالي:

- زيادة الانفاق العام بحوالي مليار و400 مليون دولار.
- تراجع الايرادات بحوالي 800 مليون دولار.
- تراجع حركة التحويلات بحوالي ملياري دولار.
- تراجع حجم الرساميل الوافدة والاستثمارات بين 25 و30 في المئة.


هذه الأرقام التي انعكست بشكل مباشر على المالية العامة، واكبتها حركة اقتصادية متباطئة على مستوى كل القطاعات المنتجة، الأمر الذي يفسّر اسباب تراجع الايرادات، بالاضافة الى ارتفاع منسوب الفساد بحيث ان تحصيل حقوق الخزينة تعرض الى المزيد من السرقة على ايدي المافيات التي تمتلك القدرة والتغطية اللازمة، لاقتناص الاموال العامة، وتحويلها الى الجيوب.

كما تُبيّن ارقام المالية العامة ان بند الانفاق على الرواتب ارتفع حوالي 8 في المئة، واصبح يشكل حوالي 65 في المئة من اجمالي الانفاق الاولي، وهي نسبة غير مقبولة تؤدي الى خلل بنيوي في المالية العامة للدولة.

كل هذا الكلام يعني امرا واحدا: مجلس الوزراء يجتمع بعد غد الاربعاء من اجل انقاذ المالية العامة من الانهيار وليس من اجل تأمين تمويل للدفاع المدني. ورغم ان الانقاذ ينبغي ان يبدأ بخفض منسوب الهدر والسرقة، ومشهد ترحيل النفايات بالاسعار المعروفة، ماثلٌ امام الرأي العام، الا أن ذلك لن يحصل.

وما سنشهده في جلسة الاربعاء سيؤدي الى زيادة الضرائب والرسوم على المواطنين من اجل تأمين اموال للخزينة لا تقل عن 500 مليون دولار، وهذا الرقم قد لا يكون كافيا، وستضطر الحكومة في خلال 2016 الى اللجوء مرة جديدة او اكثر ربما الى ابتكار رسوم وضرائب لزيادة الايرادات والاستمرار في تمويل سياسة الفساد.

بالاضافة الى الرسم الجديد الذي قد يتم فرضه على صفيحة البنزين، فان المقترحات المتداولة في الغرف المغلقة تشير الى وسائل اخرى لزيادة الايرادات، تتضمّن العودة الى بعض المقترحات التي وردت في السابق في مشروع سلسلة الرتب والرواتب.

هذه المقترحات تشمل فيما تشمل، زيادة الضريبة على القيمة المضافة الى 15 في المئة على لائحة محددة من السلع، بالاضافة الى مروحة واسعة من الرسوم والضرائب منها زيادة رسم المغادرة، رفع سعر الطابع المالي، زيادة الرسوم على المشروبات الروحية، رفع رسوم كتاب العدل العائدة للخزينة، ضريبة على البيوعات العقارية، رفع سعر الطابع المالي على السجل العدلي وعلى الفواتير التجارية...

كل هذه المقترحات ستتم العودة اليها في اكثر من محطة تحت مسمى انقاذ المالية العامة من الانهيار، وستكون أوضاع الناس في هذه المعمعة الى تراجع، لأن قرار الانقاذ سيبقى قائما على نظرية زيادة الايرادات، وعدم المس بنسبة الهدر التي اصبحت بمثابة حقوق مكتسبة لقسم من الطبقة الحاكمة والزعامات.