لا رئاسة للجمهورية في الأفق، ولا إنتاجية جدية للحكومة، أما المجلس النيابي فإن أبوابه مرشحة للصدأ حتى أيار 2017 موعد انتهاء ولايته الثانية الممددة. هذا الواقع الدستوري غير المسبوق في تاريخ لبنان منذ الاستقلال، برغم فسحة الانتخابات البلدية والاختيارية المقررة بعد ثلاثة أشهر، يزيد من وطأته واقع أصعب تمر به معظم القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والمالية، بفعل استمرار تراكم المؤشرات السلبية وتراجع الإيجابيات القليلة المتبقية، وخير دليل هو نمو البطالة من 8 إلى 10 في المئة، لتلامس عتبة الـ32 في المئة، وذلك نتيجة تراجع فرص العمل في الداخل من جهة، وتقلصها في الخارج، خصوصا في الخليج وأفريقيا، من جهة ثانية.

 

في لبنان أكثر من 25 مؤشراً قطاعياً أبرزها: الصادرات، السياحة، المالية العامة، الاستثمارات الوافدة، قطاع البناء، التجارة الخارجية، الاستيراد والتصدير، نشاط المرافئ والمرافق العامة، والنشاط المصرفي الذي يسجل تمايزاً عن بقية القطاعات، بمحافظته على نمو مقبول في ظل ظروف تشغيلية صعبة، ونتيجة انتشار العمل المصرفي اللبناني في العديد من الدول العربية والأوروبية، بحيث بات بعض المصارف يعتمد على 42 في المئة من نشاطه في الخارج، الأمر الذي يؤدي إلى تحسين نتائجه العامة.

 

معظم القطاعات تراجعت في الآونة الأخيرة، وكل سنة تنطوي تسلم وديعتها إلى سنة أصعب، وذلك في غياب من يتصرف بعقلية الدولة، الأمر الذي يجعل المعالجات مفقودة، ومزاريب الهدر والفساد في مؤسسات الدولة والقطاع العام مفتوحة، وبنهم غير مسبوق في تاريخ لبنان، إلى حد جعل أكثر من خبير اقتصادي ومالي يحذر من أن لبنان يسير على طريق اليونان اقتصاديا.

 

وما يزيد الطين بلة أن الفساد والهدر لا يترافقان مع أي تحسين أو معالجات، بل يترافقان مع غياب الحد الأدنى من الخدمات العامة والبنى التحتية، من كهرباء ومياه وطرق عامة، كما يترافقان مع انعدام التسهيلات التي تهم المواطن الذي بات يدفع ثلاث فواتير للحصول على خدمة واحدة، بينما يتآكل دخله بالتضخم والغلاء، في غياب الحد الأدنى من قدرة المؤسسات والقطاعات على تصحيح الأجور، وتحسين المداخيل لأصحاب الدخل نتيجة تضرر القطاعات التي تبحث عن الكلفة الأقل، ناهيك عن سلسلة الرتب والرواتب التي ضاعت في زحمة المزايدات السياسية والمالية، وحتى النقابية!

 

وهذه «نماذج» من القطاعات التي يزداد وضعها سوءا:

 

أولا، قطاع الكهرباء: كان يُحَمِّل الدولة حوالي ملياري دولار سنوياً، فتراجع حالياً أكثر من 1500 مليار ليرة، من دون تحسن التغذية أو تخفيض الكلفة على المستهلك. وبلغ العجز المستمر أكثر من 24.2 مليار دولار عجوزات متراكمة، منذ أواخر الثمانينيات، مع تلزيمات لمعامل جديدة، من دون أن تتحسن التغذية الكهربائية لا في الصيف ولا في الشتاء. أما السبب، فهو الهدر والسمسرات على التلزيمات المتوقفة في معامل البداوي وتأخير الأعمال في معملَي الجية والذوق، ناهيك عن «مافيات» الفيول والبواخر وشركات الخدمات ومولدات الكهرباء.

 

لماذا الكهرباء أولا؟

 

لأن اللبناني يدفع أكثر من الحد الأدنى للأجور، بين فاتورة الدولة واشتراك القطاع الخاص والمولدات، مع العلم أن لبنان كان يبيع الكهرباء إلى سوريا حتى العام 1978. وها هي الكهرباء تأكل حاليا حوالي 48 إلى 50 في المئة من عجز الموازنة العامة سنوياً.

 

ثانيا، الضمان الاجتماعي: يستفيد منه حوالي المليون و300 ألف لبناني هم على عاتق حوالي 540 ألف مضمون. في الضمان، نجد الهدر والتلاعب في فواتير الطبابة والاستشفاء، كما يحصل تماماً في مخالفات الصحة من قبل بعض المستشفيات والأطباء، والمؤسسات الضامنة كلها التي تحمل الخزينة سنوياً أكثر من 580 إلى 700 مليار ليرة، من دون إفادة المواطن بالشكل اللائق من الخدمات، برغم محاولات وزير الصحة وائل أبو فاعور الإصلاحية، ولو بالحدود الدنيا، فالهدر في الفاتورة الصحية كان 30 في المئة، ولا يزال يشكل بين 15 إلى 20 في المئة تدفعها الخزينة من جيوب المكلفين.

 

ثالثا، إيرادات الدولة: تراجعت خلال الأشهر التسعة من العام 2015 حوالي 8.5 في المئة، فيما يفترض أن تزيد حوالي 6 إلى 8 في المئة سنوياً، وهذا ما رفع عجز الخزينة، في غياب موازنة الدولة منذ العام 2005. وعلى سبيل المثال لا الحصر، عندما كانت مستوردات لبنان في العام 2009 تبلغ حوالي 13 مليار دولار، كانت الإيرادات الجمركية تبلغ حوالي 2.7 مليار دولار، في حين أن لبنان استورد خلال العام 2014 والعام 2015 بقيمة حوالي 21 مليار دولار سنوياً، بينما كانت العائدات بحدود 2.2 مليار دولار، وهذا مؤشر على السرقة والهدر والتهرب وغير ذلك من أشكال التحايل.

 

رابعا، المالية العامة: ارتفع العجز أكثر من 400 مليون دولار في العام 2015 عن العام 2014، بنمو نسبته في العجز حوالي 17 في المئة خلال أقل من سنة تقريباً، وذلك نتيجة تراجع الإيرادات العامة حوالي 9 في المئة.

 

خامسا، حركة الرساميل والتحويلات والاستثمارات الوافدة إلى لبنان: تراجعت حوالي 4 مليارات دولار عن الفترة ذاتها من العام 2014، أي بما نسبته 25.5 في المئة نتيجة الفراغ الرئاسي وهشاشة الاستقرار السياسي والأمني، ناهيك عن أثر التطورات الاقليمية والدولية وخصوصا تراجع أسعار النفط.

 

فقد بلغت قيمة الرساميل الوافدة حتى نهاية العام 2015 حوالي 11.7 مليار دولار، مقابل حوالي 15.7 مليار دولار للفترة ذاتها من العام 2014، وهذا مؤشر على عدم خلق فرص عمل إضافية من جهة، وتزايد حالات الصرف من جهة ثانية، مع العلم أن تحويلات اللبنانيين في الخارج هي في أساس هذه التحويلات اليوم.

 

سادسا، النشاط المصرفي: تراجع نمو الودائع من 6 في المئة إلى أقل من خمسة في المئة. كما تراجعت التسليفات 5.5 في المئة، بما قيمته حوالي 300 مليون دولار في أقل من سنة. في المقابل، زادت الموجودات 5 في المئة، مقابل 6 في المئة للعام 2014، ما انعكس تراجعا في التسليفات المصرفية بحوالي 200 مليون دولار، أي بتراجع 5.5 في المئة.

 

سابعا، الديون المشكوك بتحصيلها: زادت بشكل محدود في العام 2015، وبلغت حوالي 5.2 مليارات دولار مقابل حوالي 55 مليار دولار تسليفات المصارف للقطاع الخاص، منها حوالي 54 في المئة للقروض الاستهلاكية والفردية من سكنية وشخصية وغيرها.

 

ثامنا، القطاع العقاري: تراجعت المبيعات العقارية من 8.9 مليارات دولار في العام 2014 إلى حوالي 8 مليارات دولار في العام 2015، أي بما نسبته 10.6 في المئة. مع التذكير بأن هذا القطاع كان يشكل أبرز مؤشرات النشاط الاقتصادي.

 

تاسعا، ميزان المدفوعات (الفارق بين الأموال الداخلة والخارجة من لبنان): سجل عجزاً ملحوظاً حتى نهاية العام 2015، بلغ حوالي 3354 مليون دولار، مقابل عجز بحوالي 1400 مليون دولار للعام الذي سبقه، أي بنمو أكثر من 138 في المئة، وهذا مؤشر على أن حجم الأموال الخارجة من البلاد أكبر من الأموال الداخلة إليها، وكذلك هو مؤشر على العجز الكبير في الميزان التجاري، أي الفارق بين قيمة الصادرات اللبنانية وقيمة السلع المستوردة.