صار واضحاً أنّ الجلسة النيابية القادمة في 8 شباط لن تكون مختلفة عن رفيقاتها من الجلسات، وسيصار إلى تأجيلها لوقتٍ لاحقٍ، لأنّ التسوية السياسية لم تنضجْ بعد، ولعلّ سفرَ وليد جنبلاط عشية الجلسة هو خيرُ مؤشرٍ عملي لهذا التأجيل المرتقب. إلاّ أنّ هذا لا يعني بأنّ المستجدات الأخيرة التي طرأت على هذا الملف لن يكون لها أيّ اثر، فإنّ انحصار الترشّح للرئاسة بين كل من سليمان فرنجية وبين ميشال عون لا بد وأن يُحمِّل فريق ما كان يسمى بـ "8 آذار" أثقال أيّ تبعات لإستمرار الفراغ الرئاسي، ويجعل منه متهماً طبيعياً لتعطيل الجلسة، بالخصوص إذا ما لجأ لمقاطعة الجلسة النيابية وعدم إكمال النصاب بغضّ النظر عن كل ما يمكن أن يسوقه من تبريرات فإنّها لن تكونَ أكثر من تبريراتٍ مضحكة، إذ كيف يمكن لعاقلٍ أن يصدق بأنّ فريقاً سياسياً يساهم بنفسه في عرقلة تحقيق "انتصار" مبرم كما وصفه سماحة السيد حسن نصرالله في إطلالته الأخيرة.
صحيح أنّ النقاش والتحليل في البلد لم يعد في سياق معرفة طبيعة الإنتماء السياسي للرئيس العتيد، بعد أن حُسِمت هويته على أيدي أركان 14 آذار ولمصلحة خصومهم، إلاّ أنّ هذا لا يمنع فتح باب التكهنات عن الرغبة الحقيقية لأهل الحل والعقد في الفريق الاخر والمقصود هنا طبعاً هو حزب الله حصراً، المخوّل وحده بالبتّ في هذا الموضوع وكل كلام غير ذلك لا يعدو أكثر من تضييع وقت للوصول إلى ساعة الحقيقة. ولمعرفة الرغبة الحقيقية والرئيس الذي يُناسب مصالح الحزب أكثر بين المرشحين، لا بد من الغور في أعماق طريقة تفكير الحزب ومن هو الرئيس المناسب أكثر لتحقيق غاياته وما يصبو اليه، وفي هذا المجال نستعين بمقالة كان قد كتبها الصحافي إبراهيم الأمين رئيس تحرير جريدة الأخبار المدعومة والمقربة من حزب الله بعنوان "لا لصفقة تجديد النظام" .
 يسرد الأمين في مقالته المذكورة وبالتفاصيل عن الأسباب التي تقف خلف ترشيح الثلاثي "الحريري - بري - جنبلاط" لرئيس تيار المردة سليمان فرنجية، ومعلناً بعد ذلك رفضه الحاسم لهذا الترشيح معتبراً _كما هو واضح_ أنّ السلبية تكمن بشكلٍ أساسي في أنّ هؤلاء الثلاثة الذين استلموا الحكم في لبنان وجثموا على صدور اللبنانيين منذ عقود نتيجة صفقة أميركية - سورية إنّما يريدون من وراء هذا الترشيح إعادة إحياء ما هو سائد، ومشيراً إلى «الروايات» التي تكثر عن لقاءات واجتماعات ورسائل، وهي كلها ــــ في حقيقة الامر ــــ لا تمثل إلا «عدّة النصب» التي يلجأ اليها من يقف خلف هذه الصفقة (حسب تعبيره). ويضيف بوب الأمين: "فلنعد قليلاً إلى من يريدون تمرير الصفقة، وهم يوهمون الناس بأنّهم يقدمون الحلول لمشكلات البلاد، علماً أنّهم كانوا ــــ وسيبقون ــــ أصل البلاء. وهو توصيف سيطاردهم، مهما فعلوا وتجبّروا وتسلّطوا، ومهما توسعت دوائر نفوذهم غير الشرعي داخل الدولة وخارجها؟ في حالة الثلاثي الحريري ــــ بري ــــ جنبلاط، هم يريدون القول، صراحة، أنّهم لا يقبلون تغييرات جدية في صيغة النظام أو حتى في صيغة الحكم. وهذا يعني أنّهم لا يريدون قانون انتخابات يشرّع النسبية التي تلغي احتكارهم لنفوذ الطوائف في الدولة ومؤسساتها" ويسترسل بعد ذلك كاتب المقالة في مدح العماد ميشال عون وما يمثله من غالبية مسيحية وما قد يحمله معه إلى قصر بعبدا في حال وصوله من تغييرات محتملة وإضافات جديدة يمكن أن يساهم في إضفائها على طريقة الحكم وآلياته، وينوّه بما قد يرغب به الجنرال في خلق بصمة خاصة على الأداء الرئاسي تُسجّل له في صفحة تاريخه السياسي.

يمكن أن نوافق تماماً مع كل ما جاء في متن مقالة إبراهيم الأمين، إلاّ أنّه لا بد من تذكيره أولاً وتذكير القارئ الكريم ثانياً بأنّ حزب الله أيضاً إنّما نمى وترعرع واشتد عوده ووصل إلى ما وصل إليه الآن بفضل ما أمنت له هذه الطبقة السياسية وما خلقته في البلاد من أجواء اعتبرت وتعتبر البيئة الفضلى لقيام أحزاب وجماعات على هامش سلطة الدولة وخارج مؤسساتها الدستورية. وبالتالي وللأسباب عينها التي سيقت وأُدرجت في تعداد رفض ترشيح سليمان فرنجية نظن بأنّ حزب الله يرغب حتماً في وصوله "هو نفسه" إلى قصر بعبدا، والعائق الوحيد أمام إفصاحه عن ذلك هو الخوف من خسارة الحليف الأقوى مسيحياً، والمشكلة الوحيدة الآن هي في تحقيق هذه الرغبة بأقل خسائر ممكنة، وأتصور أن المَخْرَج سوف يكون من قبعة برّي السحرية كما في كل مرّة .