لم تحمل الإطلالة التلفزيونية الأخيرة للأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله أي جديد في شأن ملف الاستحقاق الرئاسي، سوى أنه كان في حاجة إلى تأكيد دعمه لترشح حليفه رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية، لتبديد ما أخذ يساور قواعد «التيار الوطني الحر» من شكوك حول عدم قدرة الحزب على إقناع حلفائه في «8 آذار» لتبني هذا الترشيح، والذي زاد منها قول رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أنه لا يصدق أن الحزب لا يمون على حلفائه للتصويت لعون ضد منافسه زعيم تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية.

وتتوقف مصادر سياسية مواكبة للمسار العام لملف الاستحقاق الرئاسي أمام إصرار السيد نصرالله على مخاطبة قواعد «التيار الوطني» في أكثر من محطة وهو يتحدث عن موقف الحزب الداعم للعماد عون، وتقول، أنه أراد من مخاطبته لجمهور حليفه استيعاب حالة الإرباك التي تسيطر على موقفه وتحاول بعض الجهات توظيفها للتحريض على الحزب.
وتؤكد المصادر نفسها أن تمسك «حزب الله» بدعم ترشح عون ما لم يقرر الأخير عزوفه عن خوض المعركة، يصب في خانة تعطيل المحاولات الرامية إلى تهيئة الأجواء لملء الشغور في رئاسة الجمهورية ما سيطيح الجلسة النيابية المقررة في 8 الجاري لانتخاب الرئيس.

وتعتقد بأن لدى «حزب الله» بالتضامن والتكاتف مع عون القدرة على تعطيل هذه الجلسة، وتعزو السبب إلى أن أطرافاً في «8 آذار» قد يضطرون للتضامن مع الحزب على رغم أنهم من مؤيدي فرنجية لأنهم ليسوا في وارد الدخول في مواجهة مباشرة مع «حزب الله» لكنهم يراعونه لبعض الوقت، لعل السيد نصرالله من وجهة نظرهم يتمكن من تأمين الخروج المنظم «للجنرال» من معركة الرئاسة.

وترى المصادر نفسها أن تعطيل انتخاب الرئيس إلى ما لا نهاية سيصطدم بمقاومة إقليمية ودولية، وتقول أن قول البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي أنه لم يعد من مبرر للتعطيل طالما أن الترشيحات لرئاسة الجمهورية أصبحت معروفة، يعكس موقف الفاتيكان والمجتمع الدولي.

وتعتبر المصادر هذه أن قول «حزب الله» أنه لن ينزل إلى البرلمان ما لم يضمن انتخاب عون رئيساً للجمهورية، ينم عن تضامنه الأخلاقي مع حليفه وبالتالي موقفه لم يعد يصرف في ترجيح كفته على منافسه فرنجية نظراً لأن معظم الأطراف في «8 آذار» ليست في وارد دعم ترشحه.

وتسأل المصادر هل أن نصرالله قطع الأمل من إقناع حلفائه بتأييد عون، وإلا لماذا تحدث عن تنظيم الاختلاف مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري؟ وتقول، أن بعض مواقف الأخير ليست نسخة طبق الأصل عن مواقف «حزب الله» ولو كان الأمر كذلك لبادرت حركة «أمل» للاندماج الكلي مع الحزب؟

وتضيف المصادر أن «حزب الله» و «أمل» في حلف استراتيجي لا يتزعزع لكنهما على تباين في الموقف من عون، المدعوم بلا شروط من الحزب في مقابل وقوف «أمل» «على بياض» إلى جانب فرنجية. وتتابع: أن «الكيمياء السياسية» بين «حزب الله» وعون ثابتة ولا تتزعزع في مقابل أنها مفقودة كلياً بين الأخير وبين الرئيس بري على رغم المحاولات التي قام بها الحزب لرأب الصدع بينهما.

وتضيف أن عون لم ينفك عن تسليف «حزب الله» الكثير من المواقف، وأبرزها تلك التي وفرت له الغطاء السياسي لمشاركته في القتال في سورية إلى جانب نظام الرئيس بشار الأسد، وأن الاختلاف الطارئ بينهما سرعان ما يتلاشى ولا يؤثر في تحالفهما الاستراتيجي المستمد من ورقة التفاهم الموقعة بين السيد نصرالله وعون في شباط (فبراير) 2006.

وفي المقابل، تقول هذه المصادر، لم يسبق لعون أن سلف بري أي موقف سياسي، وبالتالي ليس له في ذمته أي دين يتوجب عليه سداده له في معركة انتخاب الرئيس؟ إضافة إلى أنه سبق «للجنرال» أن شن حملة سياسية شعواء ضد التمديد للبرلمان، واعتبر أن البرلمان غير شرعي، قبل أن يعود ويراجع حساباته لعله يكسب تأييد بري له في رئاسة الجمهورية.

وتؤكد أن جعجع عندما تبنى ترشيح عون للرئاسة كان في غنى عن تحميل «حزب الله» مسؤولية عدم ضمان تأمين تأييد حلفائه وأولهم بري لزعيم «التيار الوطني الحر»، وتقول أن تحريضه على رئيس المجلس خدم فرنجية، لأن بري ليس في وارد التراجع أمام تحريض «القوات» عليه لأن ذلك سيفسر بأنه جاء نتيجة ضغط مورس عليه من قبل «حزب الله».

وترى أن التحالف الاستراتيجي بين «حزب الله» و «أمل» لا يعني أبداً أنهما توافقا على الاندماج في حزب واحد، وإلا لماذا يحرص بري على رسم حدود لهذا التحالف تتيح له أن يحتفظ لنفسه بهامش سياسي يميزه عن الحزب، وهذا ما يظهر جلياً في عدم مشاركة «أمل» في الحرب الدائرة في سورية خلافاً لمشاركة حليفه فيها، وكذلك في تواصل بري مع عدد من الدول العربية ومنها المملكة العربية السعودية في مقابل هجوم الحزب الدائم عليها.

وتلفت المصادر إلى أن ثبات «حزب الله» على موقفه الداعم لعون لم يبدل من حجم التأييد النيابي لفرنجية وتقول أن الأخير استطاع أن يفرض نفسه كمرشح أساسي يحتل المركز الأول بين المرشحين الأربعة الكبار الذين كانوا يتنافسون على ملء الشغور الرئاسي.

وتقول أن فرنجية أوجد لنفسه كياناً سياسياً مستقلاً بعد أن دعمه زعيم تيار «المستقبل» الرئيس سعد الحريري، وهو لا يزال يستفيد من حملة عون وآخرين عليه والتي حولته إلى «ضحية» وبالتالي فرضته حتى إشعار آخر كواحد من أقوى المرشحين، فيما تتراجع حظوظ «الجنرال» الرئاسية ليتحول تدريجياً إلى عائق أمام انتخابه.

لكن المصادر نفسها تؤكد أنه من السابق لأوانه الرهان على إمكانية إعادة خلط الأوراق الرئاسية طالما أن عون بدعم من حليفه يصر على الترشح، وهو بذلك يقفل الأبواب أمام فتح البرلمان لانتخاب رئيس جديد، علماً أن «حزب الله» لم يتحرك لإقناع حلفائه بتأييد حليفه.

وبكلام آخر تلاحظ المصادر وكأن «حزب الله» اكتفى حتى الساعة ببيع عون دعمه الأخلاقي، أي الوقوف إلى جانبه، من دون أن يبذل الجهد المطلوب لتأمين دعم إضافي له من قبل حلفائه، وهذا ما دفع جهات ديبلوماسية غربية في بيروت إلى السؤال عن الأسباب التي أملت على الحزب بأن يكتفي بتأييده قسطه للعلى بدعم ترشح عون، من دون أن يقرنه بتوفير تأييد إضافي له، إلا إذا كان المطلوب أن نصدق أنه لا يمتلك القدرة على إقناع هؤلاء باستثناء بري الذي لديه حسابات سياسية أخرى.

لذلك تعتقد المصادر عينها بأن دعم «حزب الله» لعون أعاد الاستحقاق الرئاسي إلى المربع الأول طالما أنه يكتفي بالتزامه الأخلاقي في تأييده من دون أن يضغط لدى حلفائه لعله يتمكن من تفكيك الجبهة النيابية السياسية التي لا تحبذ دعمه.

وعليه فإن الجلسة النيابية المرتقبة في 8 الجاري لن تكون أحسن حالاً من الجلسات السابقة التي لم تعقد بسبب تعذر تأمين النصاب الدستوري لانعقادها. إلا أن إطاحة هذه الجلسة كما تقول المصادر، ستنعكس حتماً على لجنة التواصل النيابية المكلفة إعداد قانون انتخاب جديد، لا سيما في اجتماعها غداً الثلثاء الذي لن يحمل أية بشائر تشير إلى التوافق ولو بالحد الأدنى حول العناوين الرئيسة للقانون العتيد.

وفي هذا السياق فإن اجتماعات لجنة التواصل تدور في حلقة مفرغة، وما زالت تراوح مكانها، ويعود السبب إلى وجود رغبة لدى بعض الأعضاء بتأجيل البحث في القانون إلى ما بعد انتخاب الرئيس انسجاماً مع توصية كانت صدرت في هذا الخصوص من المجلس النيابي.

    الحياة