وصفة نوح زعيتر سحرية من غير شك. اعطوهم صواريخ حشيشة، ولن يبقى موقع الرئاسة شاغراً. يضحك مع ما في الوصفة من بلية. لا نوح هو المضحك ولا الحشيشة. المضحك هو الموصوف لهم، نواب الأمة.

مضحكون لأنهم يصدقون أن بأيديهم أمر البت بمصير رئاسة الجمهورية، وبأن بإمكانهم أن يقترعوا لأحد المرشحين، وأن يدلوا بأصواتهم وأن لهم القدرة على الحل والربط في القضايا الكبرى، مع أن واحدهم لا يعرف من ثلث الثلاثة سوى ما ينعم عليه به سيده في مجلس الرئاسة الثلاثي أو السباعي أو الثماني.

مضحكون لأنهم يتزودون بالمعلومات، ككل المواطنين،  من النشرات الاخبارية أو من جلسة الاربعاء النيابية أو من جلسة بيت الوسط أو من خطابات الأمين العام لحزب الله أو من اجتماعات التيار أو الحزب  ... وفي كثير من الأحيان من أصدقائهم الصحافيين أو رؤساء كتلهم أو ملقنيهم السفراء.

مضحكون لألف سبب وسبب، مضافاً إليها استصغار نوح لهم، حين لم يجد غير وصفة التحشيش حلاً لأزمة وطنية عجزوا هم عن حلها. ربما فات نوحاً أنهم يحولون الجلسات التي يحضرونها إلى جلسات تحشيش سياسي مقتصرة على تحيات بلهاء ومؤتمرات صحافية يتبادلون فيها الصراخ والتهم ويأخذون علماً بالموعد الجديد. أما الذين يستنكفون عن الحضور فلهم طقوسهم التحشيشية في مقرات أحزابهم أو أمام أولياء النعم السياسية.

ومضحكون حين يتحمسون للمرشح من غير أن يميزوا بين ترشيح جدي وترشيح نكايات وآخر للمناورة أو للتعطيل أو للديكور الديمقراطي. ومضحكون حين يدققون حساب البوانتاج للرابح المحتمل والخاسر المحتمل، وهم لا يعرفون أن خسارة الوطن فيهم  تفوق كل الحسابات، وأن الربح الوطني الوحيد يكمن في مغادرتهم تلك المقاعد إلى غير رجعة.

مضحكون لأنهم اعتادوا على انتظار الترياق من العراق، ولم ينتبهوا إلى أن العراق والأمة العربية والأمة الاسلامية كلها لم تصدر لنا من البضائع السياسية غير الاستبداد، فراحوا يمارسون على الشعب ما مورس عليهم أيام نظام الوصاية، حتى أن بعضهم راح يستعيد من الأمجاد البابلية والسريانية والسلجوقية والعثمانية والحسينية كل ملامح القمع والقهر التي عرفها تاريخ الاستبداد الشرقي.

مضحكون هم وطبيبهم نوح ووصفته، لأن الرئيس المرتجى سيبتلي بهم ولن يجد حلاً للتحشيش السياسي بربضهم المؤبد على صدور الشعب( هو حكم الرويبضة، حيث يسوس العامة سفهاء العامة، بحسب رواية عن أحد الصحابة). مضحكون لأنهم لا يعرفون أن خلاص الرئاسة والوطن يكمن في الخلاص من قانون انتخاب يتهيبون تعديله بل يحجمون عن ذلك، لأنهم يحسبون أن خسارة الوطن تهون أمام خسارة الكرسي النيابي.

يبقى أن نوح زعيتر ووصفته أهم من أهل البرلمان، وفضله عليهم أنه يفكر بحل وبوصفة، أما هم فما زالوا في سكرة التحشيشة القديمة التي دعتهم إلى عدم التفكير لأن أحداً ما يفكر عنهم، ولا تهمهم هوية هذا الأحد، قد يكون نظام الوصاية أو أية قوة خارجية أخرى ذات نفوذ، أو أوهام التاريخ أو الأمراض النفسية أو المصالح الفئوية أو الخطاب الطائفي والمذهبي. وفي جميع الحالات يجسد نوابنا الأكارم لحظة العقل المستقيل. لكن لا يفوتهم واجب من تحشيشات الطقوس الاجتماعية في المآتم والأعراس والسهرات الراقصة.

تبدو وصفة نوح كأنها مجرد نصيحة يسديها إلى المراجع السياسية، ولا ضير في ذلك ما دام سيل تقصيرهم قد بلغ الزبى. إلا أن يكون قد تجاوز ذلك فيدعي لعب دور البديل الناجح لشيعية سياسية أخفقت خلال توليها الحكم والمعارضة على امتداد أربعة عقود. لكن ، للأسف ، ربما لن يجد البدائل الموازية التي سيتحاصص معها مملكة التحشيش، بعد أن صار عالم المخدرات، هو الآخر، أشبه بنظام توتاليتاري أي خاضع لحكم الحزب الواحد، ولا يقبل أن يشاركه أو أن يحاصصه أحد.

نعرف أن أصحاب السعادة يفضلون نصيحة نوح على نصائحنا. مع ذلك سنصرخ في طواحينهم وندعوهم، قبل انتخاب الرئيس وبعده، إلى فتح باب الاصلاح بسن قانون للانتخابات النيابية يحرر كراسي البرلمان من وطأة إقامتهم الطويلة فيه وعبء وجودهم الثقيل على صدر الوطن.