مَن راقب الرئيس الإيراني حسن روحاني في جولته الأوروبية التي شملت روما والفاتيكان وباريس يلاحظ حرصه على الظهور بصورة المنفتح والمعتدل التي نجح في تظهيرها. فهو «الشيخ المعمم» الذي طلب من بابا الفاتيكان «أن يُصلّي من أجلنا»، بعدما جنى في اتفاقاته 18 ملياراً إيطالياً ستُضاف الى 15 ملياراً فرنسياً. أين موقع لبنان وما الذي حقّقه؟ تقول أولى التقارير الديبلوماسية التي وصلت من باريس الى بيروت إنّ الرهان على حصة للإستحقاق الرئاسي في لبنان من محادثات الرئيس الإيراني في العاصمة الفرنسية لم تكن في حجم الآمال التي علّقها البعض الذي راهن على دورٍ فرنسيّ أكبر من ذي قبل في ظلّ الإنفتاح الإيراني المنتظر عقب توقيع الإتفاق النووي وبدء مرحلة رفع العقوبات وعودتها الى المجتمع الدَولي.

وأضاف التقرير أنّ الرئيس الإيراني لم يعترض على أيّ بند أو ملف من بنود جدول الأعمال رغب الفرنسيون بإثارته بما فيها الملف اللبناني في ظلّ الإنفتاح الذي عبّر عنه روحاني في أولى جولة خارجية له في عمق القارة الأوروبية التي كانت مقفلة ومحظورة على إيران وعلى مؤسساتها الكبرى طوال الفترة السابقة من العقوبات الدَولية.

ففي تاريخ العلاقات الفرنسية - الإيرانية محطاتٌ مجلية من التعاون بين الدولتين وصولاً الى اتهام الفرنسيين في مرحلة من المراحل بخرقهم العقوبات الدَولية المفروضة على إيران عبر عقود أبرمتها شركاتهم مع طهران، ولا سيما منها تلك المتصلة بقطاع صناعة السيارات، فاستحقت شركاتهم المتخصّصة بهذا القطاع عقداً إيرانياً قيمته نحو 500 مليون دولار.

وعلى رغم هذا التاريخ من العلاقات، لا يمكن تجاهل النكسة التي أصابتها العام 2008 حيث ألغت طهران عقودها مع باريس ليس على خلفياتها الإقتصادية والمالية بل نتيجة النزاع الداخلي الإيراني بين المتشدّدين والمعتدلين ما أدّى الى تأجيل توقيع بعض العقود الى الأمس القريب.

وهو ما وضع حداً نهائياً لمرحلة صعبة في تاريخ العلاقات بين البلدين مبنية على حجم كبير من التعاون الإقتصادي والمالي وتحديداً في مجالات الطيران المدني بعدما أبرمت إيران أكبر عقودها في هذا المجال لشراء 114 طائرة «إيرباص» فرنسية - أوروبية الصنع لتعزيز قدرات أسطولها الجوّي في السنوات الخمس المقبلة.

وأمام هذا الواقع الجديد، توقّف التقرير أمام الجانب السياسي من الزيارة بقليلٍ من الأمل في شأن أيّ تقدم محتمل في ملف الرئاسة اللبنانية. فالبيان الختامي للقمة الإيرانية - الفرنسية تناول الملف اللبناني من أبوابه الأمنية قبل السياسية، فأشار الرئيسان بوضوح الى تفاهمهما على أهمية الحفاظ على الحدّ الأدنى من الأمن في البلد الصغير، وهو ما يوحي بأنّ إيران ما زالت مستعدة للَجم أيّ تطوّر أمني يمكن أن يسيء الى ما حقّقته التفاهمات السابقة بين الرعاة الإقليميين للقادة السنّة والشيعة في لبنان على رغم سوء العلاقات بينها والرياض.

أما في الشأن الرئاسي، فقد عكست المعلومات القليلة التي تسرّبت من المفاوضات بين الدولتين نوعاً من التريّث في الخطوات السياسية ولا سيما منها تلك المتصلة بالإستحقاق الرئاسي، فلم يتلمّس الفرنسيون أيّ تغيير في الموقف الإيراني من الإستحقاق عندما ردوا الأمر الى الأفرقاء اللبنانيين الداخليين، فهم أدرى بما يمكن القيام به وهو ما يعني تفويضاً إيرانياً متجدّداً لـ«حزب الله» في الملف الرئاسي مع وعد ببذل مزيد من الجهود لتقريب وجهات النظر ما لم يكن للرياض دور في الجانب الآخر من الملف، وهو ما يعني دعوة إيرانية واضحة للجانب الفرنسي الى ممارسة مزيد من الضغوط على العاصمة السعودية لتلاقيها إيران بما تستطيع فعله في هذا المجال.

ولا يتجاهل التقرير الإشارة الى أنّ البحث بين الرئيسين انطلق ممّا انتهت إليه الحصيلة المتواضعة للجهود السابقة التي بذلها موفد الرئيس الفرنسي الى بيروت رئيس دائرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في الخارجية الفرنسية جان فرنسوا جيرو الذي عمل بين مطلع 2014 وخريف 2015 على خطّ بيروت - طهران - الرياض في جولاتٍ مكوكية لم تنتج أيّ مخرج للإستحقاق الرئاسي على رغم الوعود التي تلقاها من طهران.

وعليه، يشير التقرير الى أنّ الملف اللبناني حضر في جانب من المحادثات المشترَكة لكنه بقي الأضعف بين الملفات الأخرى، حيث ظهر تفاهمٌ إيراني - فرنسي تام على الملف العراقي تُظلّله التفاهمات الدَولية على ضرب «داعش» العراقية.

وبقي الخلافُ كبيراً على الملف السوري، وتحديداً في شأن مصير الرئيس السوري بشار الأسد، على رغم التفاهم على ضرب «داعش» السورية لكنهما اتفقا واعترفا ضمناً بأنّ مقاربة هذا الملف على خط واشنطن - موسكو تبقى الأجدر. فالملف السوري بات في مكان آخر بعد التدخل الروسي ولم يعد لباريس أو طهران كلمة نافذة فيه.

وما بين هذه الحصيلة المختصرة لقمة هولاند ـ روحاني، لا تتجاهل الأرقام التي رافقتها أنّ الرئيس الإيراني حصد من زيارته الفرنسية 15 ملياراً من العقود بعدما حصد 18 ملياراً من زيارته الإيطالية، وهو ما يعني كثيراً بالنسبة الى روحاني الذي قد تُمدّ له كيلومترات من السجاد الأحمر لدى عودته الى طهران.