نظمت وزارة الأوقاف المغربية ومنتدى تعزيز السلم في المجتمعات الإسلامية الذي تدعمه الإمارات العربية المتحدة مؤتمرا عالميا حول حقوق الأقليات الدينية في الديار الإسلامية .

عقد المؤتمر في مدينة مراكش المغربية بحضور 300 مشارك، من بينهم وزراء وعلماء وباحثون وممثلون للديانات المعنية بقضية وضع الأقليات في الديار الإسلامية.

وتدارس المشاركون في المؤتمر مواضيع مختلفة تتعلق "بالتأطير والتأصيل لقضية الأقليات الدينية في الديار الإسلامية"، و"المواطنة والآخر في الرؤية الإسلامية" و"التعايش في التجربة التاريخية الإسلامية". كما ناقش المؤتمر على مدى ثلاثة أيام "أسس المواطنة التعاقدية من خلال وثيقة المدينة المنورة و"أعمال المستشرقين حول وثيقة المدينة"، و"آفاق المواطنة في الفكر الإسلامي المعاصر"، و"ضمانات المواطنة لدى الأديان".

وتناول المؤتمر "التجربة التاريخية للمملكة المغربية في التعايش بين الأديان" و"أسس وأهمية الوئام والمحبة بين المواطنين والتضامن بين الأديان"، و"الإسلاموفوبيا وغيرها من أنماط الكراهية وآفاق العمل المشترك". من لبنان  حضر عدد من العلماء من بينهم سماحة العلامة المرجع السيد علي الأمين الذي يعتبر الشخصية الشيعية المستقلة والمعتدلة ومن الشخصيات التي تمتلك الرؤية الواضحة والجريئة في معالجة أزمة الإنشاقاقات الدينية والمذهبية التي تعصف بالأمة العربية والإسلامية.

لقد طغى حضور العلامة الأمين على من سواه من الشخصيات الشيعية في المؤتمر وقدم سماحته ورقة عمل كنموذج يحتذى حول حفظ حقوق الأقليات الدينية وتعزيز السلم الأهلي بنظرة فقهية جريئة تقوم على قاعدة المواطنة .

تضمنت ورقة العلامة الأمين رؤية منهجية علمية فقهية لمعالجة الأزمات المحيطة بعالمنا العربي والإسلامي، وتطرق سماحته الى العناوين الأكثر تعقيدا التي تحيط بمجتمعاتنا العربية والإسلامية، فأوضح المفهوم العام للهوية الدينية مقارنة بالهوية الوطنية مع تفصيل علمي وفقهي دقيق لتعدد الهويات الدينية في واقع الوطن والوطنية  .

العلامة الأمين تحدث في ورقته عن فقه الأقليات الدينية وقاعدة المواطنة في الكتاب والسنة، مستفيدا من وثيقة المدينة المنورة مستعرضا الأسس العلمية الصحيحة للتعايش السلمي بين الهويات مبينا بفصل خاص مسؤولية الأمراء والعلماء في ترشيد الرأي العام .

في الهوية الدينية اعتبر العلامة الأمين أن هذه الهوية تأتي عادة في رتبة متأخرة عن الهوية الوطنية التي يتم الحصول عليها من خلال الإنتماء إلى شعب وأمة جمعت بينهما روابط التاريخ هذه الرابط التي تجعل منهم شعبا واحدا وأمة واحدة بغض النظر عن هويتهم الدينية .

وذكر العلامة الأمين بعض النصوص المأثورة التي تؤكد على تقديم الوطن على الهوية الدينة من مثل الروايات التالية : "حب الأوطان من الإيمان " والقول الآخر  : " إذا أحببت أن تعرف وفاء الرجل فانظر إلى حنينه إلى وطنه . ورأى العلامة الأمين في ورقتة الى المؤتمر أن تعدد الهويات الدينية ينبغي أن لا يقود إلى الإنقسامات على مستوى الهوية الوطنية والإنتساب إلى القوم والوطن وليس بالإمكان لأي فريق أن يسلخ الهوية الوطنية عن فريق آخر .

وفي رؤية متطورة حول معالجة الثغرات المرتبطة بالعلاقة المرتبكة بين الهوية الدينية والهوية الوطنية إعتبر العلامة الأمين أن الصيغة العملية التي يمكن الإعتماد عليها في الجمع بين الأفراد والجماعات الذين اختلفوا في الهوية الدينية يجب أن تقوم إيجاد صيغة للعيش الواحد بين هذه الجماعات مع ضرورة البحث عن القاسم المشترك الذي يمكن أن يجتمعون اليه، مع الاحتفاظ بالخصوصيات الدينية والثقافية المختلفة، ودعى الأمين في هذا السياق إلى الاستفادة من وثيقة المدينة المنورة التي عقدها النبي محمد (ص) مع مكونات المجتمع في المدينة حيث اعتبرت هذه الوثيقة كمادة لإندماج هويات دينية متعددة لصالح الوطن والمجتمع .

ودعى العلامة الأمين إلى إيلاء موضوع التعايش السلمي بين المجتمعات أهمية قصوى تعزيزا لسلامة العلاقة داخل المجتمع بدلالة وجود الكثير من النصوص الدينية التي تؤكد على ذلك وتدعو إليه .

تفرد العلامة الأمين في ورقته عن بقية الأوراق المطروحة بدعوة الأمراء والعلماء لأهمية الدور الملقى على عاتقهم تجاه الناس والمجتمع وذلك عبر تظهير الخطاب الديني الواعي القادر على إبعاد الدين عن دائرة الاستغلال السياسي . واعتبر العلامة الأمين أن مسؤولية الأمراء والعلماء تبرز أكثر في الوقت الراهن في منطقة الشرق الوسط تحديدا التي بلغ فيها لشحن الطائفي مسارا خطيرا يهدد نسيج الوحدة الوطنية .